الخميس، 11 نوفمبر 2010

الهيئة الوطنية للترجمة و الأحلام الوردية

الهيئة الوطنية للترجمة و الأحلام الوردية
يتردد كثيرا على ألسنة المشتغلين بالترجمة في عُمان موضوع تأسيس جمعية للمترجمين العمانيين، أسوة بجمعية الكتّاب، و جمعية المحامين، و جمعية الصحفيين، و غيرها من الجمعيات الأهلية. و رغم مشروعية هذا الطموح، إلا أنه مفرط في الرومانسية و التحليق عن الواقع. و من يعرف واقع الجمعيات الأهلية و ما تعانيه من شح في المصادر المالية، و ما تكابده من معوقات في تحقيق أنشطتها و برامجها، يتعجب من طرح كهذا يزج بالترجمة، و تكاليفها المالية الباهظة، في عمل أهلي لم يختمر بعد في عمان، و لا تتوفر له قاعدة شعبية تسانده، و تعوزه المرونة القانونية في جمع المال. و من خلال اتصالي ببعض الأصدقاء في جمعية الكتاب مثلا، أعرف جيدا الصعوبات التي يواجهونها في توفير الدعم المادي لأنشطتهم، رغم أن كثيرا من هذه الأنشطة لا يتطلب إلا النزر اليسير من المال. فكيف يمكن لجمعية أهلية للمترجمين، في حال كهذا، أن تضطلع ببرنامج وطني شامل يتوخى ترجمة جميع ما كتب عن عمان، تاريخيا، و ثقافيا، و علميا، و اقتصاديا، و سياسيا، من شتى لغات العالم؟ بل أنـّى له أن يحقق حلم الكتاب و المثقفين العمانيين بترجمة إنتاجهم إلى اللغات الأخرى؟ و كيف له أن يترجم إلى اللغة العربية المنجزات الحضارية العلمية الأجنبية، و التي يمكن أن تدفع بعجلة التنمية في السلطنة نحو التقدم و المستقبل؟
إن تأسيس "هيئة وطنية للترجمة" ضرورة مُلحّة، و واجبٌ وطني ينبغي أن تضطلع به الدولة، و تغدق عليه من وافر نعمها. و لا يختلف اثنان على أهمية الترجمة في تقدم أية دولة، و ازدهار اقتصادها، و نشر حضارتها و ثقافتها، ناهيك عن دورها في تعزيز الفهم المشترك بين الشعوب. و تأسيس هيئة وطنية للترجمة في عمان له مسوغاته المختلفة التي أسوقها على النحو الآتي:
1-      تتميز عمان بكثرة المصادر و الوثائق الأجنبية المتوفرة حولها في المكتبات العالمية، و المواقع الالكترونية، و أرشيفات الصحف و الدوريات الأجنبية. و هذه الوثائق تشكل أهمية قصوى لتاريخ عمان و ثقافتها، لأنها تسد فجوة معرفية عظيمة في المصادر العربية المتعلقة بعمان. و المصادر العربية، على قلتها، تقتصر على تاريخ الحكام و صراعهم مع الأئمة، و تتجافى عن تاريخ الشعب العماني، بمختلف أعراقه و لهجاته، و عن عاداته و تقاليده، و أنماط سلوكه و تفكيره. إضافة إلى هذه الأهمية، فإن الوثائق الأجنبية المتصلة بعمان متعددة و تشمل:
أ‌-        قصص الرحالة و مغامراتهم في مختلف أرجاء عمان، من القرن الخامس عشر حتى يومنا هذا. هناك مئات الرحالة البريطانيين، و الأمريكيين، و الفرنسيين، و الهولنديين، و البرتغاليين، و الألمان، و غيرهم من مختلف أصقاع العالم، ارتادوا هذه المنطقة، و ما زالوا إلى الآن، و كتبوا عن تاريخ العمانيين، خاصة أيام الإمبراطورية العمانية التي بسطت نفوذها من بندر عباس على ضفاف الخليج العربي إلى شرق أفريقيا، بالإضافة إلى بعض الجزر الواقعة في المحيط الهندي. و قد تنوعت كتابات الرحالة ما بين كتب مستقلة، إلى فصول ضمن كتب عامة تتناول الشرق الأوسط، إلى قصص متناثرة في بعض المجلات المتخصصة في أدب الرحلات. و حسب إحصائيتي المبدئية، هناك حوالي خمسمائة وثيقة متصلة بالرحالة الأوروبيين في عمان، تنتظر الترجمة. و من أهم الأمثلة على هذه الرحلات التي لم تترجم رحلات القنصل البريطاني صمويل باريت مايلز، و هو من أبرز الرحالة الأوروبيين الذين شدوا الرحال على نطاق واسع في عمان. فلكونه معتمدا سياسيا وقنصلا بريطانيا في مسقط، استطاع مايلز أن يتجول في اتجاهات عدّة في عمان من 1874 إلى 1885. زار الأشخرة في سبتمبر سنة 1874 على متن البارجة (فيلومل) أو الهزار Philomel. و الرحلة الثانية في سبتمبر 1874 أخذت مايلز إلى قلهات و قد قدم من خلالها وصفا تاريخيا و جغرافيا عن المدينة. و في سنة 1875 وصل إلى صحار، و منها انتهز الفرصة لزيارة البريمي عن طريق وادي الجزي. و هنا قدم لنا مايلز –متأثرا باهتماماته التاريخية- وصفا مسهبا لكلتا المدينتين. و صعد مايلز في سنة 1876 إلى قمة الجبل الأخضر. بدأ الرحلة من بركا وتجاوزها إلى نخل حيث أخبرنا عن الجمال المعماري لمنازلها، و السمات المختلطة لسكانها، و ينابيعها الحارة، و قلاعها، و حصونها، وصناعتها. ثمّ عبر إلى العوابي حيث لاحظ أن الزعفران يستعمل من قبل النساء للزينة. ثمّ صعد الجبل الأخضر على حمار و كان معجبا بثبات و قوة تحمل هذا الحيوان. و بخصوص الجبل الأخضر، وصف لنا تأريخه وناسه وثماره وصناعته. و في فبراير سنة 1884 قام مايلز بزيارة وادي الطائين، و بذلك يعتبر أول أوروبي يصعد عقبة هذا الوادي. و في نهاية نفس السنة أبحر مايلز من ظفار  على متن السفينة (دراجون) Dragon مرورا بمرباط، و البليد، و جزر كوريا موريا. أما الرحلة النهائية لمايلز فقد أخذته إلى حدود "الصحراء العظيمة" أو الربع الخالي في ديسمبر سنة 1885. و في هذه الرحلة استطاع أن يجتاز معظم مناطق عمان بما فيها ازكي، و وادي حلفين، و منح، وأدم، و عز، و نزوى، وبهلا، و جبرين، و جبل الكور، و تنوف، و الحمرا، و عبري. و من عبري توجه إلى ضنك، و الرستاق، و السويق، و بركا. و طوال هذه الرحلة الشاملة تمكن مايلز من جمع تفاصيل هامة حول العمانيين وعاداتهم وأساليبهم وتاريخهم. و الحقيقة أن معظم رحلات السفراء الأوروبيين في عمان لم تترجم إلى الآن، عدا رحلة واحدة لصمويل مايلز، قمت بترجمتها و نشرها في جريدة الوطن خلال هذه السنة 2008. و من الرحلات التي تستحق الترجمة كتابات الإرسالية الأمريكية في عمان و التي قامت بتجوال واسع في المنطقة خلال النصف الأول من القرن العشرين. و من أشهر الرحالة و المبشرين الأمريكيين في الجزيرة العربية صمويل زويمر، الذي أسس بالاشتراك مع جيمس كانتين "الإرسالية الأمريكية العربية" في نيوجرسي، سنة 1889، و قد بدأت عملها في عمان بتأسيس "مستشفى الرحمة" في مطرح سنة 1909 بقيادة الدكتور جون شارون طومس.  قام صمويل زويمر برحلتين في عمان، الأولى كانت في مارس، سنة 1900، حيث انطلق من الشارقة إلى شناص حتى وصل صحار، و الثانية كانت في مارس، سنة 1901، بدأها من أبوظبي إلى البريمي، حتى صحار. نشر زويمر عدة أعمال تتعلق برحلاته في عمان و الجزيرة العربية، لعل من أهمها كتابه "الجزيرة العربية، مهد الإسلام"، ظهر في لندن سنة 1900. كما نشر رحلاته في بعض الدوريات، و منها "الأبواب المفتوحة في عمان، الجزيرة العـربية"، ظهرت في (المجلة التبشيرية للعالم)، سنة 1901، و "ثلاث رحلات في شمال عمان"، نشرت في (المجلة الجغرافية)، سنة 1902، و "عمان و شرق الجزيرة العربية"، ظهرت في (نشرة الجمعية الجغرافية الأمريكية)، سنة 1907، و "ملاحظات حول عمان"، نشرت في (المجلة الجغرافية الوطنية)، سنة 1911. و المبشر الآخر الذي تجول كثيرا في عمان الدكتور بول هاريسون، و قد عمل مبشرا ضمن الإرسالية الأمريكية في عمان خلال السنوات من 1909-1954. نشر هاريسون رحلاته هذه في كتاب بعنوان "طبيب في الجزيرة العربية" صدر في نيويورك سنة 1940، و ترجمه باختصار شديد محمد أمين عبد الله، و نشرته وزارة التراث و الثقافة سنة 1981. و قد نشر هاريسون أيضا عن نشاطاته التبشيرية في عمان مقالة بعنوان "عرب عمان"، ظهرت في (مجلة العالم الإسلامي)، سنة 1934.
ب‌-    الوثائق التاريخية، و السياسية، و العلمية، و هي إما كتب منشورة أو مقالات في الصحف و الدوريات العالمية بمختلف اللغات. و هذا كم هائل يصعب حصره، و لكني سأعطي أمثلة، على الأقل من الوثائق الإنجليزية. يتوفر في المكتبة البريطانية ما لا يقل عن ألف و خمسمائة كتاب يتعلق بعمان، كما يوجد بها حوالي ألف مقالة منشورة في الصحف و الدوريات.  و من الكتب الهامة التي ينبغي أن تترجم في هذا الصدد كتاب "الطريق إلى وبار" للمخرج السينمائي ومنتج الأفلام الأمريكي نيكولاس كلاب Nicholas Clapp. في سنة 1991، نظّمَ نيكولاس كلاب بعثتين إلى عُمان مع فريق، ضم علماء آثار، و جيولوجيين، و علماء فضاء، وبَعْض المُغامرين. و قد فَحصوا الأبراجَ في شصر، شمال ظفار، و وَجدوا دليلا يثبت أن المستوطنة تعود إلى 400 سنة قبل الميلاد. و قد خلصوا من تنقيبهم إلى أن وبار، أو إرم موجدة في شصر. و الحقيقة أن بعض الرحالة الأوروبيين، و علماء الآثار يعتقدون بأن إرم مدفونة تحت رمال جنوب عمان. فبعض المستكشفين مثل بيرترام توماس، و ولفريد ثيسجر، و ويندل فيلبس قد صرحوا في كتاباتهم بأن "المدينة المفقودة" موجودة في جنوب عُمان. و مثل هذه الكتب الآركيولوجية التي تنقب في حضارة عمان القديمة، جدير بالترجمة. و إثباتها بأن إرم "التي لم يخلق مثلها في البلاد" مطمورة في ثرى جنوب عمان مكسب حضاري عظيم، رغم شكوك البعض في نوايا علماء الآثار الذي اشتغلوا على هذا الموضوع. و هناك بعض الكتب التي لم تترجم حتى الآن، و هي مهمة لأنها تتناول التاريخ السياسي لعمان قبل سنة 1970، الفترة التي تندر فيها المراجع العربية. و من هذه الكتب كتاب إيان اسكيت "مسقط و عمان: نهاية مرحلة"، الذي صدر في لندن سنة 1974. كان اسكيت في عمان من سنة 1966 إلى سنة 1968 موظفا من قبل شركة "تنمية نفط عمان"، و قد  قدم في كتابه  معلومات مهمة عن مسقط، و مطرح، و الباطنة، و الشرقية، و الظاهرة. و نظرا لأن فترة  السّلطان سعيد بن تيمور اتسمت بالغموض و العزلة، فإن رواية اسكيت للأحداث والحياة في عمان خلال تلك الفترة تشكّل أهمية بالغة. و من المواضيع الهامة المسكوت عنها في عمان، و قد تناولتها الدراسات الإنجليزية موضوع الأنثربولوجيا، أو علم دراسة الإنسان. و من الكتب الهامة في هذا الموضوع كتاب "ما وراء البرقع في بلاد العرب: المرأة في عمان" للأستاذة النرويجية  يوني ويكان، المتخصصة في علم الأنثربولوجيا الاجتماعي.  قضت ويكان، في عمان، قرابة ثمانية أشهر خلال السنوات من 1974 إلى 1976، بصحبة زوجها عالم الأنثربولوجيا الشهير فريدريك بارت. و قد استغرقت ويكان معظم هذه الفترة في صحار لتدرس مجتمع المرأة من حيث ما تسميه بـ"العزل الصارم للنساء". و رغم هذه العزلة، تعتقد ويكان أن المجتمع الصحاري في ذلك الوقت، كان "يتعايش فيه الجنسان الرجال و النساء بمنتهى الرقة و السمو". ظهر الكتاب مترجما عن الدانمركية في شيكاجو سنة 1991.  
ت‌-    رسائل الماجستير و الدكتوراه، و هي أطروحات علمية غاية في الأهمية تتناول عمان في مجالات عدة تشمل الأدب، و التاريخ، و العلوم، و الزراعة، و الهندسة، و الطب، و النفط، و علوم الكومبيوتر، و الآثار، و التربية و التعليم. و لو اقتصرنا هنا فقط على الأطروحات الإنجليزية، لهالنا عددها المتاح في الجامعات البريطانية و الأمريكية، ناهيك عن الأطروحات المكتوبة باللغات الأخرى. و يشير، مثلا، موقع Index to Theses المتخصص في رسائل الدكتوراه التي أنجزت في بريطانيا من سنة 1716 حتى الآن، إلى وجود حوالي 300 أطروحة تتعلق بعمان في مختلف التخصصات. كما أن موقع ProQuest يشير إلى ما لا يقل عن 400 أطروحة ماجستير و دكتوراه تتعلق بعمان، أنجز معظمها في الجامعات الأمريكية و الكندية. و من الأطروحات المبكرة الهامة، التي تستحق الترجمة رسالة دكتوراه أنجزها قاسم علي شعبان في جامعة تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية، سنة 1977، بعنوان "فونولوجيا عربية عُمان". درس فيها شعبان الأصوات اللغوية في اللهجة العمانية، معتمدا بالدرجة الأولى على لهجة أهل مسقط في ذلك الوقت. كما يمكنني أن أنوه أيضا برسالة دكتوراه أنجزتها أمل نديم غزال في جامعة ادمونتون، ألبرتا، بكندا، سنة 2005، بعنوان "الإسلام و العروبة في زنجبار: النخبة العمانية، العالم العربي، و صنع الهوية". تجادل أمل نديم في هذه الدراسة بأن العلاقات الوثيقة بين النخب العمانية في زنجبار في الفترة من 1880 إلى 1930، و الحركات الفكرية و السياسية في العالم العربي كونت مقاومة أيدلوجية للاستعمار. و تركز أمل نديم على دور الشاعر و المثقف أبي مسلم البهلاني في تعاطيه مع التيارات الفكرية في العالم الإسلامي حفاظا على الهوية العربية في زنجبار. و من الدراسات الهامة التي أنجزها الباحثون العمانيون، دراسة دكتوراه حول الأفلاج العمانية، أعدها الدكتور عبد الله الغافري في جامعة هوكيدو باليابان، سنة 2004، بعنوان "إدارة توزيع الماء في نظام ري الأفلاج بعمان". تناول الغافري في أطروحته التعريف العلمي للأفلاج، و استخدامات ماء الفلج، و إدارة الفلج، و كيفية توزيع ماء الفلج، و جدولة الري، و العدل في توزيع ماء الفلج، و المشكلات التي تهدد الأفلاج.
2-      إن معظم المؤلفات العمانية القديمة و الحديثة لم تترجم إلى أية لغة أجنبية. و ما يمكن الإشارة إليه هنا محاولة مبكرة و مهمة قام بها بعض المستعربين البريطانيين، و الذين زاروا عمان في القرن التاسع عشر. فقد ترجم جورج بيرسي بادجر كتاب "الشعاع الشائع باللمعان في ذكر أئمة عمان" لحميد بن محمد بن رزيق، و نشر ه في لندن سنة 1871، بعنوان:  "" History of the Imams and Seyyids of Oman from A.D. 661-1856، كما ترجم إدوارد تشارلز روس كتاب "كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة" و نشره في كلكتا بالهند سنة 1874، بعنوان: Annals of Oman. و الحقيقة أن كنوز التراث العماني، من تاريخ، و أدب، و علوم، و فلك، و التي نشرتها وزارة التراث و الثقافة ينبغي أن تجد طريقها إلى اللغات الأوروبية، خاصة الإنجليزية، والفرنسية، و الأسبانية، و الألمانية، كما أن إصدارات نخبة من الأدباء العمانيين المحدثين، ممن تحققت تجاربهم و انتشرت أسماؤهم في العالم العربي ينبغي أيضا أن تنقل إلى اللغات الأجنبية. و في هذا الصنيع خدمة كبرى لعمان و ترسيخ لمكانتها التاريخية و الحضارية لدى الأمم الأخرى، كما أن فيها تصحيحا لصورة نمطية بغيضة قد تكرست في أذهان كثير من الأوروبيين، و هي أن عمان، كغيرها من دول الخليج العربي، مجرد دولة عائمة فوق بركة من النفط، و لا تملك جذورا حضارية في المنطقة. و أذكر في هذا الصدد ما جاء في كتاب "رحلات في بلاد العرب" للرحالة البريطاني جيمس ويلستد، الذي زار عمان سنة 1835، حيث زعم المؤلف أنه بحث جاهدا عن مثقفين في عمان، فلم يجد إلا واحدا له معرفة بعلوم الفلك و الأدب و العلوم بصفة عامة، و خلص من ذلك إلى أن عمان هي بلد الجدل الفقهي، بالإضافة إلى السحر و الشعوذة. و هذا الزعم من ويلستد ليس صحيحا، و يناقضه ما أثبته الأستاذ ويلكنسون من نشره لقائمة من المخطوطات العمانية تتوزعها علوم شتى في الطب و الفلك و الأدب و التاريخ. و لكن ويلستد لم تكن عربيته كافية ليطلع على مثل هذه الكنوز، كما أن المخطوطات العمانية حينها لم تكن بطبيعة الحال مترجمة إلى الإنجليزية. و رغم أن ما حصل لويلستد قد كان في النصف الأول من القرن التاسع عشر، إلا أن وضع المعارف العمانية الآن ليس أفضل حالا، فما زالت طي النسيان، لم يحق كثير منها، و لم يترجم أي منها!
3-      إن الهيئة يمكنها أن تقوم بدور فعال في تنشيط السياحة المحلية، و العربية، و الأجنبية، و ذلك من خلال تتبع المقالات اليومية في الصحف و المجلات العالمية، و خاصة الصفحات المخصصة للسياحة و السفر. و في مثل هذه الصفحات ينشر بعض السياح مقالات عن زياراتهم لعمان، و هي في الغالب كتابات إيجابية تصف إعجابهم بالتنوع الجغرافي للسلطنة، و سحر الجبال العارية و الشاهقة في المنطقة الداخلية، و فتنة الرمال في المنطقة الشرقية. و من يبحث في الصحف البريطانية فقط، على سبيل المثال، كالتايمز، و الجارديان، و الإندبندنت، يدهش من كثرة المقالات السياحية التي تعبر عن إعجاب السياح البريطانيين بعمان و طبيعتها المتنوعة. و من هذه المقالات ما نشره الصحفي البريطاني الشهير أدريان جل Adrian Anthony Gill في صحيفة التايمز يوم 29 يناير 2006. و هي مقالة يصف فيها رحلته إلى عمان مصحوبا فيها بولديه فلورا و علي، أثناء إجازة منتصف الفصل، و قد عبر عن دهشته من التنوع البيئي لعمان، و كتب عن حضارتها، و عن الأمن،  الذي لم يجد مثله في الشرق الأوسط. يقول جل، مبررا سبب قضائه لإجازته في عمان: "أريد لأطفالي أن يسافروا بتفاؤل و هدف. و عمان ليست مجموعة آبار من النفط. إنها إمبراطورية قديمة، شملت زنجبار و سواحل أفريقيا الشرقية، و بعض الموانئ في بلاد فارس".  و يضيف: "إن السبب الأكثر واقعية لاختياري المجيء إلى عمان هو تنوعها البيئي المدهش. إنها ليست كدول الخليج التي تتكون إما من بنايات زجاجية مكيفة أو من أكواخ أشجار تخفق فيها الرياح.  هنا أودية ذات واحات خلابة، و مياه عذبة باردة تتدفق متموجة من الجبال في شعاب و شلالات رائعة".  و لعل من أطرف ما كتبه السياح الأجانب في عمان و جمال طبيعتها ما نشره مايك هايويل-ديفيزMike Hywel-Davies، في مجموعة شعرية أصدرها في مسقط سنة 1999، بعنوان "عمان تزورها و لا تنساها ". في هذه القصائد، و الصور الجميلة المرافقة لها، يصف الشاعر جبل شمس، و رمال الشرقية، و البرك المائية في وادي بني خالد، و صيادي السمك، و مسابقة الثيران في الباطنة. يقول مثلا في وصف البرك المائية في وادي بني خالد:
على مدار السنةِ توجدُ في الوادي ينابيعُ طويلةٌ نديّة
تروي الليمونَ و النخيلَ، تمتصُّها مِضَخّةٌ
مُلتـَهِمةٌ، مُتـَدفـِّقةٌ، خَفـّاقةٌ
حِزَامُها يُطَقْطِقُ رُخَاءً في الصمتِ.
يَتوقّفُ، ساكِنـًا.
الصمتُ.
صَمْتٌ تلمسُه بعد ثـُغـَاءِ العنزةِ
وصيَاحِ الشَّـقـراق، و طنينِ الخُنـْفُسَاء.
يَتوقـّفُ.
يَصْمُتُ.
صَمْتٌ تلمسُه، تـَشْعُرُ به.
جافٌّ.
جفافَ عظمِ عِجْلٍ حتى البياض،
جفافَ مِلحٍ صَدئٍ، و سَعَفٍ فاسدٍ
صقلتـْه الشمسُ حتى اسْمَرَّ.
عَرَقٌ مالحٌ يَبْدأُ
يَسْتـَقْطِرُ قلبًا يَكتمُ خَفـَقـَانـَه و يُطـْلِقـُه بسُرعة
دَمًا مُتـَدفـِّقـًا راعِدًا.
في صمتِ الانتظارِ
يَقـْصِفُ الرعدُ أعاليَ الجبالِ البعيدة
بينما يَنـْهمِرُ المطرُ وابلا
مُولـِّدًا سيولا سَمْراءَ
تَجْرِفُ الطينَ و تطحنُ الحَصَى
تـَحْتـَفِرُ الصمتَ
تقتلعُ حشائشَ الربيعِ الهَشّةَ
و ينتهي هذا الهَيَجانُ
إلى رقائقَ من الوَحْلِ
و أسماكٍ لاهثةٍ و طحالبَ لزِجة.
تـَسْفعُ الشمسُ وجهَ الأرضِ
و يَذهبُ
الرُّعْبُ
و تمتدُّ بِرَكُ الوادي هادِئةً
عَذبةً و خِصْبة.
4-      يمكن للهيئة أيضا أن تقوم بترجمة الأعداد الكاملة لـ "مجلة الدراسات العمانية"، و هي مجلة رائدة في مجال التاريخ الثقافي و الطبيعي لعمان، تصدر باللغة الإنجليزية عن طريق وزارة التراث و الثقافة منذ سنة 1975، و قد صدر منها حتى الآن 14 مجلدا. و الدراسات المنشورة في المجلة بالغة الأهمية لأنها تركز على جوانب دقيقة في مواضيع الآثار، و الأنثروبولوجيا، المتصلة بعمان. و مثل هذه المواضيع لا تجد لها صدى في الدراسات العربية للأسف. فمن الدراسات التي نشرت في هذه المجلة: "قلهات في التاريخ العربي"، و "ابن مقرب و نينوه: حكاية شعبية من طيوي"، و "الشبابية: الناي المحلي لجبال الحجر الشرقي"، و "الحياة النباتية في جزر الحلانيات"، و "تحفة رائعة من العمارة العمانية في القرن السابع عشر"، و "الشواوية من أهل عمان الشمالية: مجتمع رعي في طريق التغير". و هي مواضيع تمس التاريخ الثقافي لعمان، و تكاد تكون مجهولة لدى القارئ العربي.
5-      في وسع الهيئة أيضا أن تقوم بدور رائد في السلطنة و الخليج العربي، و ذلك عن طريق تعريب العلوم التطبيقية، و كذلك العلوم الإنسانية، بتتبع المنجزات العالمية من مختلف اللغات و ترجمتها إلى اللغة العربية؛ مما يتيح للطلاب في جامعة السلطان قابوس، و الجامعات الخاصة، و الكليات التقنية متابعة مستجدات العلوم من مختلف التخصصات بسهولة ويسر. و هذا دور حضاري كبير تضطلع به الدول المتقدمة التي تسعى لرقي أبنائها و النهوض بطاقاتهم و ابتكاراتهم.
6-      تستطيع الهيئة أن تستوعب الكوادر العمانية من المتخصصين في الترجمة، و بذلك تسهم في خلق فرص العمل للعمانيين. و الملاحظ أن الترجمة الفورية على وجه الخصوص معدومة في السلطانة بمختلف مؤسساتها. و إنه لمن المخجل أن تستعين مثلا جامعة السلطان قابوس، و بقية الجامعات الخاصة، و كذلك وزارة الأوقاف و الشؤون الدينية، بمترجمين فوريين غير عمانيين أثناء عقد الندوات و المؤتمرات في السلطنة.
7-      يمكن للهيئة أن تسهم في عملية تطوير اللغة العربية، و ذلك بضخها بالمفاهيم والمصطلحات الجديدة، و تيسير استخدامها من قبل الباحثين، و المثقفين، و وسائل الإعلام. و في هذا الصدد يمكنها أن تتلافى ما وقعت فيه بعض مجامع اللغة العربية للأسف من عجز في مواجهة المصطلحات العلمية الحديثة.
8-      يمكن للهيئة أن تقوم بعلاقات شراكة مع الجامعات ومراكز البحث ومختلف المؤسسات المحلية و الدولية ذات العلاقة بالترجمة. و بهذا تستطيع أن تجعل عملية الترجمة في عمان عملية منظمة، تسير وفق خطط و استراتيجيات مدروسة، بعيدة عن العشوائية و الارتجال.
9-      في وسع الهيئة أن تنظم المؤتمرات و الندوات و ورشات العمل التي تساعد على تطوير المستوى المهني للمترجمين العمانيين، والنهوض بحركة الترجمة في عمان.
هذه بعض المسوغات التي بدت لي، على الأقل الآن في هذه العجالة، لضرورة تأسيس هيئة وطنية حكومية للترجمة، و إلا فإن الدراسة الشاملة لهذا الموضوع تتطلب وقتا للبحث في الأهداف، و الرؤية، و الرسالة، و المحتوى، و آليات التنفيذ. وحسبي من إثارة الموضوع تحريك الساكن، فهل له من أذن واعية؟

هناك 6 تعليقات:

  1. مبروك مدونتك الجدية الزاخرة بالمواضيع الجادة
    شكرا يا صديقي

    ردحذف
  2. صديقي الشاعر و الروائي و المترجم محمد علي اليوسفي...أسعدني مرورك هنا
    دم بمودة

    ردحذف
  3. كلام رائع..
    العمل الفردي في أي مجال لا يأتي بمردود ونتائج العمل الجماعي..
    لست مترجما ولكني مع تشكيل الهيئة لصالح عمان..

    ردحذف
  4. شكرا أخي محمد
    صدقت فالعمل الفردي غير منتج في المشاريع الكبرى، خاصة الترجمة التي يعلم من يمارسها بأنها مكلفة، و لا يمكن حتى للجمعيات الأهلية أو الخاصة أن تتحملها..لا بد أن تحتضن مثل هذه المشاريع الوطنية الدولة و لا بد أن تنفق عليها بسخاء؛ لأنها جسر تعبر من خلاله الثقافات بين الشعوب، و نحن بحاجة لتصحيح صورتنا في العالم؛ الصورة التي يتم اختزالها دائما في النفط...لنا في تجارب الأمم خير مثال، و لننظر مثلا إلى تجربة مصر في الترجمة..المشروع القومي للترجمة الذي يشرف عليه المجلس الأعلى للثقافة قام بترجمة أعمال كبرى لا طاقة للأفراد بحملها..تحياتي

    ردحذف
  5. السلام عليكم ورحمة الله و بركاته دكتور هلال
    في البداية مبروك عليك المدونة الرائعة التي فيما أرى تركز على المضمون دون الشكل فهي علمية وجادة لا تبحث عن الأثارة الرخيصة او الأطروحات المستهلكة و إنما تركز على المواضيع الهادفه المطروحة باسلوب دسم و رائع. ثم ان تسميتك لها بالربع الخالي يحمل دلالات شاعرية فالصحراء في كتاباتك عموما الشعرية منها و النثرية موضع دراسهّ ثري فلها حضور قوي لا يخفى.

    مقالك هذا يطرح فكرة في غاية الأهمية و أجدني متفقا معاك إلى أقصى حد فانشاء هيئة وطنية للترجمة أصبح أمر ملح لاسيما عند الحديث عن المسوغات التي سقتها و التي بلا شك منطقية وواقعية و تلامس حاجة المجتمع.

    و لعل البند المتعلق بقصص الرحالة و مغامراتهم في مختلف أرجاء عمان أجده من الأسباب التي لابد ان تعجل بأنشاء تلك الهيئة لكون الكثير من تلك الكتب معرض للزوال اما بسبب نفاذها او توقف طباعتها فكتاب مثل البلاد السعيدة لبترام تومس يكاد لا تحصل عن ترجمته العربية الا ما ندر حتى ان وزارة التراث قد توقفت عن طباعته و لك أن تتخيل ماذا سيحل بالعديد من كتابات الرحالة او غيرها من المصادر التي تحدثت عن عمان في فترة زمنية تشح او تندر فيها المصادر.

    ان انشاء هيئة وطنية للترجمة في نظري غير كاف فهناك حاجة ماسة لانشاء مراكز للدراسات العمانية في عدد من دول العالم لاسيما تلك التي تتماس مع تاريخ عمان ففيها من المخطوطات و الدراسات الغير منشورة الشئ الكثير فهذه المراكز ستكون بلا شك رافدا لهذه الهيئة تمدها بالزاد الذي لا ينتهي.

    دكتور هلال طرحك أكثر من رائع
    دمت متألقا

    خالد الراشدي

    ردحذف
  6. شكرا عزيزي خالد
    على مداخلتك، و أعتذر لك عن التأخر في هذا الرد لانشغالي بمشاركة قافلة سبلة عمان في بريطانيا و استعدادي لإلقاء محاضرة في جامعة كيمبريدج...أتفق معك في فكرة إنشاء مراكز متعلقة بالدراسات العمانية، و لكن ذلك لا يغني عن إنشاء هيئة وطنية للترجمة لأن أجندتها ستكون مختلفة دون شك
    تحياتي

    ردحذف