الخميس، 11 نوفمبر 2010

ترانيم تبشيرية في الخليج العربي

ترانيم تبشيرية في الخليج العربي


في سنة 1889م تأسست في نيو برَنْزويك بالولايات المتحدة الأمريكية حركة تبشيرية عرفت بـ "الإرسالية العربية" Arabian Mission، هدفها، كما أعلن في مشروعها، "تنصير شبه الجزيرة العربية". كان العقل المدبر، الذي تحمس للفكرة و نَظّرها ، هو البروفيسور جون لانسنج، أستاذ لغة العهد القديم و تفسيره بمعهد اللاهوت التابع لكنيسة الإصلاح بنيوجرسي.  تكون المؤسسون من صامويل زويمر، و جيمس كانتين، و فيليب فليبس، لكن زويمر و كانتين كانا المحركين الفعليين للإرسالية على المستويين العملي و الكتابي. خلال الفترة من 1891 إلى 1973، قامت الإرسالية عبر مراكزها الأساسية في البصرة و مسقط و البحرين و الكويت، بأنشطة تنصيرية واسعة في الخليج العربي تنوعت بين العمل الطبي، و الرحلات، و بيع الكتب المقدسة، و التدريس، و التبشير في الأسواق و التجمعات العامة. ربما لم تنجح الإرسالية في هدفها المعلن كما خطط لها، و لكنها نجحت في خلق خطاب ديني متراكم حول المنطقة تشتمل عليه مجلة الإرسالية Neglected Arabia أو "العربية المنسية"، و كذلك بعض الكتب التي ألفها أبرز المبشرين في الإرسالية مثل صامويل زويمر و بول هاريسون. خلال دراستي الحالية بجامعة كيمبريدج لصورة عُمان في هذا الخطاب الديني عبر منهج الاستشراق و الدراسات ما بعد الاستعمارية، لفت نظري وجود قصائد و ترانيم كانت تعزف في الكنائس، و تتصل اتصالا مباشرا بأنشطة الإرسالية في الخليج العربي. قمت بترجمة بعض هذه النصوص لأهميتها في تتبع الصورة المتخيلة حول عرب الجزيرة في أذهان المبشرين الأمريكان.
النص الأول هو أنشودة الإرسالية و قد ألفها البروفيسور جون لانسنج سنة 1889، و كانت بمثابة "النشيد الوطني" الذي يعزف في أية صلاة أو قدّاس حول الجزيرة العربية. و النص الثاني قصيدة ساخرة هجائية أشبه بالمناحة، كتبها القس  هنري هاريس جيسَب، المبشر المشهور في بيروت و الذي قضى ستين سنة مبشرا في العالم العربي. يستنهض القس جيسَب، بأسلوب تحريضي هجائي، "مجلس الخارجية" في كنيسة الإصلاح بأمريكا الذي تقاعس عن دعم "الإرسالية العربية" في بداية المشروع. نشرت القصيدة في مجلة الإرسالية سنة 1910.  و النص الثالث ترنيمة قام بتأليفها القس بيتر زويمر، الأخ الأصغر لصامويل زويمر و أحد المؤسسين لمركز الإرسالية في مسقط، مستعينا بقصيدة شهيرة للشاعر الأمريكي بَيَرْد تيلَر عنوانها "أغنية  حب بدوية" لحّنها الملحن الأنجلو-إيطالي سيرو بينسوتي. نشرت الترنيمة في مجلة الإرسالية سنة 1914. و النص الرابع،  قصيدة كتبتها فرانسيس تومْز، من أطفال الإرسالية الذين ولدوا في الجزيرة العربية. رجعت إلى أمريكا في سن المراهقة للدراسة و لم تعد، و لكنها نشرت سنة 1919 في مجلة الإرسالية هذه القصيدة المعبرة عن طفولتها في الجزيرة العربية و شوقها إليها. أما النص الأخير فهو قصيدة  للشاعرة الأمريكية إليزابيث باتون موس، نشرتها في مجلة الإرسالية سنة 1934، حين كانت مبشرة في بلاد فارس. القصيدة تؤكد الفكرة الأساسية التي ينطلق منها معظم المبشرين التابعين لـ "الإرسالية العربية"، و هي أن إسماعيل هو أصل العرب، و أحفاده الآن في الجزيرة العربية ورثوا صفاته التي جاءت في الكتاب المقدّس: " َيَكُونُ إِنْسَاناً وَحْشِيّاً يُعَادِي الْجَمِيعَ وَالْجَمِيعُ يُعَادُونَهُ، وَيَعِيشُ مُسْتَوْحِشاً مُتَحَدِّياً كُلَّ إِخْوَتِهِ" (تكوين إصحاح 16)!.     





1- ترنيمة الإرسالية العربية
بروفيسور جون لانسينج
هناك أرضٌ مَنسيّة منذ زمن
هناك قومٌ ما زالوا منبوذين
لكنّ الربَّ اصطفاهم للحق و الرحمة
من أجل حُبِّه لهم
****
أرقُّ من هفهفة النسيم في لياليهم
و أوفرُ من خيامِهم الشاردة
و أقوى من رمالِهم المَنيعة
هو حُبُّه لهم
****
إلى المسلمين في عُقْرِ دارِهم
و من أجلِ العَبْد النازفِ في قيدِه
إلى البَدويِّ الضارعِ في الصحراء
فلنَجْلِبْ حُبَّ الرَّبِّ لهم
****
عَبْرَ وَعْدِ الرَّبِّ في كتابه المُقَدَّس
عَبْرَ تضحيته طوالَ التاريخ
عَبْرَ الصليبِ الذي تَوّجَ الدهورَ
فلنُرِيهم حُبَّه لهم
****
بالصلاة المُعينةِ دائما
بالقوِّة المُهيمنة
بالحُبِّ الذي لا يَنْضَب
فلنُبلّغ حُبَّه لهم
****
إلى أبناءِ الصحراء الغُرباء
إلى قبائلِها و مَمَالِكِها
إلى ملايين بلاد العرب السعيدة
فلنُمجّد حُبَّه لهم.



2- لا تَصْدَعُوا بها
القس هنري هاريس جيسَب
لا تَصْدَعُوا بين الوَثنيّينَ بأنّ السفينةَ على حافّة الساحل
إنها مُحمّلة بالخَلاص، و الرَّبِّ، و الرُّبّانِ-
لكنّ المَدَّ انحسر و تركها عاليةً و يابسةً،
مدٌّ من ذهبٍ و فضّةٍ، و هدايا غاليةٍ و رخيصةٍ،
عُمْلاتٍ ذهبيّةٍ و دولارات، سنتاتٍ و أقلَّ منها،
تدفّق إلى قنواتٍ أخرى، من قسوةِ الزمن.
****
لا تَصْدَعُوا بين الوَثنيّينَ بأنّ القطارَ خارجَ المَسَار
نَفِدَ الزيتُ و انقطع التيّار
"مجلس الخارجيّة" انحرف برُكّابه و حُمولته
و رسلُ الرحمة فيه عليهم الانتظارَ، رغم تلهفهم للمسير
كان الزيتُ وافرا، و القطارُ يجري بسهولة
و لكنّه ذهب قطرة قطرة حتى نَفِد.
|****
لا تَصْدَعُوا بين الوَثنيِّينَ بأن السَّيْلَ توقفَ عن التدفق
كان يتوالى من الجبال الشامخةِ مطرًا و ثلجًا و نَدًى
و تحوّل إلى نهرٍ و طوفانٍ، إلى جدولٍ و نُهيْر
لقد أبهجَ السهولَ و الجبالَ، البحيراتِ و التلالَ البعيدة
و لكنّه جَفّ! و العطاشى لن يشربوا بعد الآن،
لأنّ "مجلسَ الخارجية" مُهدَّدٌ بالديون المُكبِّلة!
****
لا تَصْدَعُوا بين الوَثنيّينَ، لا تَصْدَعُوا بين اليهود!
لا تَصْدَعُوا بين المسلمين، بهذه الأخبارِ الكئيبة؛
خشيةَ أنْ يَسْخَرَ أبناءُ جالوتَ منّا، و يُفشوا عارَنا
بأنّ الكنائسَ التي تَعهّدت بالحق و الولاءِ للمسيح
لم تَعُدْ تطيعُ أوامرَه، لم تَعُدْ تَكترثُ لصُراخِ
الملايين، التي ستُتْرَكُ الآن تموتُ بأحزانها!
|****
لا تَصْدَعُوا بها بين الوَثَنيّينَ، و لكن بُوحوا بها لسَيِّدِكم.
اجثوا على ركبكم، أيها المسيحيون، و قولوا كلمة الحق؛
"اعتقدنا بأنا أسلمنا أنفسَنا جميعَها إليكَ، لكننا الآن بقلوبٍ منكسرة،
نرى بأنا تخاذلنا في عطائِنا،
لذا، و باستسلامٍ كاملٍ، نهَبُ أنفسَنا كلها إليك".
حينها اصدعوا بين الوَثنيّينَ، بأنّ كنيسة المسيح حُرّة،
و أن مَدّ الحُبِّ يعلو لتطفوَ السفينة مرة أخرى،
و أنّ زيتَ النعمة يتدفّقُ ليجري القطار العالق،
و أنّ أنهارَ الرحمة قادمة كالطوفان،
لتمنحَ السعادةَ للأُمَم، و تُمجِّدَ رَبَّنا.

3- المسيح في سبيل بلاد العرب
القس بيتر زويمر

من الصحراء جاء إليكِ
يا بلادَ العرب! هذه أمنيتكِ,
مُخلّصُك و مليككِ.
إنه مَكْسوٌّ بالنار المقدَّسَة!
تحت سماواتكِ المُزَيّنة بالنجوم يقف,
و منتصفُ الليل يَسمع صيحتَه.
إنه يُحبُّكِ! نعمْ, يُحبُّكِ بشغف!
بحُبٍّ لا يمكن أن يموت!
بحُبٍّ لا يمكن أن يموت!
رغم أن الشمسَ تَخْصَرُ
و النجومُ تَذبُلُ
و صفحاتُ كتابِ القيامة تَتجلّى!
****
اسمعي كلماتِه العطِرة الرقيقة للسلام-
الخلاصُ من الخطيئة و العار!
انظري! إنّه يقفُ و يداه مبسوطتان
إنه مُوجَعٌ من استنكافكِ عنه.
أنصتي! إن نسيمَِ الليل يَهمِسُ,
بأن مُخلِّصَكِ يَعَْبرُ الآنَ
يداه مُسَمَّرتان و على جبينه تاجٌ شوكي
ينطق بحُبٍّ لا يمكن أن يموت!
رغم أن الشمسَ تَخْصَرُ
و النجومَ تذبل
و صفحاتِ كتابِ القيامة تَتجلّى!
****

ليلا خطواتُه منقادةٌ إليكِ
يدفعها الشوقُ من قلبِه
ليسمعَ من شِفاهِكِ المُلطّخَةِ بالإثم
الصلاةَ التي تبعثُ الطمأنينة.
افتحي بابَ قلبكِ,
لم يَعُدْ هذا الضيفُ مَجْحودا؛
دعيه يدخلْ و يُخبرْكِ الآن
عن حُبِّه الذين لا يمكن أن يموت!
رغم أن الشمسَ تَخْصَرُ
و النجوم تذبُل
و صفحات كتاب القيامة تَتجلّى!

4- إلى بلاد العرب
فرانسيس تومْز
بلادَ العرب, رغم أنكِ أرضي و موطني،
لا أملك إلا التعبيرَ عن شوقي إليكِ.
مطلعُ الفَجْر، الأقمارُ و النجومُ التي رأيتُها لأول مرّة في سمائكِ.
تباشيرُ ابتسامةِ الأم، و العنايةُ الأبويّة التي أحسستُها فيكِ.
حُبّي لإلهي الذي هو بعضٌ من حُبّي لكِ، يا بلادَ العرب!
لقد عرفتُ الجُزُرَ الصحراويّة للبحرين،
حيث اللآلئُ الجميلةُ تُوجد و تُطلب و تُباع
بأسعار نادرة لا تُعدّ.
حافيةَ القدمين ركضتُ على الشواطئ الرمليّة لأجمعَ الأصداف؛
و من الرِّمالِ المتحركة شيّدتُ مُدُنًا مُحصّنة بقطِعٍ
 من الأخشاب البيضاء الطافية؛ ثم غمرتُها، بخوف طفولي،
في ضحضاح بحر لانهائي.
خمائالُ رأيتُها في مسقط و البحرين؛
و رأيتُ النخلَ الرشيقَ في البصرة عطوفا و حانيا
على السواقي الرطبة.
لقد أحببتُ الجروفَ الوَعْرة في شاطئ عُمان.؛ العويلَ المُدوّيَ
 و حربَ الأمواج القاسية و هي تضربُ دون كلَلٍ
تلك الصخورَ الباسلة التي لن تستسلمَ أبدا.
أحببتُ كلَّ شيء فيكِ، و حُبي لكِ يزداد.
خلفَ شواطئِك الرميلة اللينةِ و صخورِك العارية
أرى أرضًا غنيّة- أرضيَ المَوعودةَ,
إنها اختياريَ الأبديُّ، أتوقُ، أتوقُ
إليكِ، يا مُنْيَة قلبي-يا بلادَ العرب.

5- إسماعيل- الربّ يسمع
إليزابيث باتون موس

إسماعيل! "الرَّبُّ يسمع!" اسمٌ أوحيَ به
ليكونَ أولَ أبٍ لجنسِ العرب
مُتوحِّشًا، فخورًا، مُتحدِّيًا، ابنَ أمَة،
قاطنًا وحيدًا للصحراء.
"يسمعُ الربُّ!" حين ضحك إبراهيمُ، غيرَ مُصدِّقٍ
و في شك ساخر، من الكلمة الموعودة،
متوسلا بأن يشاركَه إسماعيلُ، فتاه البكر،
الرعايةَ الإلهية-فأسبغ عليهما الربُّ بركتَه و نعمتَه.
"يسمع الربُّ" كاد الفتى أن يموتَ من العطش
و لكنه نجا حين انفجر ينبوعُ الماء في البَرّيّة
و ذاع صيتُه في كل مكان
و تم الاعترافُ بذرّيتِه كغُزاةٍ فاتحين.
"يسمع الربُّ" يتوسل الابنُ أن يكون قُرْبانًا
فيُفدَى الجميعُ بواحدٍ، بكبش
و يُرسل الشهيدُ مُتوَّجا بالنجوم
لينشر بذورَ الكلمة الطيبة، دون أملٍ في الحصاد.
"يسمع الربُّ" صلواتِنا.
ننظر استجابتَها من الواحةِ، و السوقِ، و الحريمِ المُظلم
لعلَّ قبيلة إسماعيلَ العاصية
نكسبُها بالحُبِّ، لتعودَ إلى الرعيّة الموعودة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق