الخميس، 11 نوفمبر 2010

الهيئة الوطنية للترجمة و الأحلام الوردية

الهيئة الوطنية للترجمة و الأحلام الوردية
يتردد كثيرا على ألسنة المشتغلين بالترجمة في عُمان موضوع تأسيس جمعية للمترجمين العمانيين، أسوة بجمعية الكتّاب، و جمعية المحامين، و جمعية الصحفيين، و غيرها من الجمعيات الأهلية. و رغم مشروعية هذا الطموح، إلا أنه مفرط في الرومانسية و التحليق عن الواقع. و من يعرف واقع الجمعيات الأهلية و ما تعانيه من شح في المصادر المالية، و ما تكابده من معوقات في تحقيق أنشطتها و برامجها، يتعجب من طرح كهذا يزج بالترجمة، و تكاليفها المالية الباهظة، في عمل أهلي لم يختمر بعد في عمان، و لا تتوفر له قاعدة شعبية تسانده، و تعوزه المرونة القانونية في جمع المال. و من خلال اتصالي ببعض الأصدقاء في جمعية الكتاب مثلا، أعرف جيدا الصعوبات التي يواجهونها في توفير الدعم المادي لأنشطتهم، رغم أن كثيرا من هذه الأنشطة لا يتطلب إلا النزر اليسير من المال. فكيف يمكن لجمعية أهلية للمترجمين، في حال كهذا، أن تضطلع ببرنامج وطني شامل يتوخى ترجمة جميع ما كتب عن عمان، تاريخيا، و ثقافيا، و علميا، و اقتصاديا، و سياسيا، من شتى لغات العالم؟ بل أنـّى له أن يحقق حلم الكتاب و المثقفين العمانيين بترجمة إنتاجهم إلى اللغات الأخرى؟ و كيف له أن يترجم إلى اللغة العربية المنجزات الحضارية العلمية الأجنبية، و التي يمكن أن تدفع بعجلة التنمية في السلطنة نحو التقدم و المستقبل؟
إن تأسيس "هيئة وطنية للترجمة" ضرورة مُلحّة، و واجبٌ وطني ينبغي أن تضطلع به الدولة، و تغدق عليه من وافر نعمها. و لا يختلف اثنان على أهمية الترجمة في تقدم أية دولة، و ازدهار اقتصادها، و نشر حضارتها و ثقافتها، ناهيك عن دورها في تعزيز الفهم المشترك بين الشعوب. و تأسيس هيئة وطنية للترجمة في عمان له مسوغاته المختلفة التي أسوقها على النحو الآتي:
1-      تتميز عمان بكثرة المصادر و الوثائق الأجنبية المتوفرة حولها في المكتبات العالمية، و المواقع الالكترونية، و أرشيفات الصحف و الدوريات الأجنبية. و هذه الوثائق تشكل أهمية قصوى لتاريخ عمان و ثقافتها، لأنها تسد فجوة معرفية عظيمة في المصادر العربية المتعلقة بعمان. و المصادر العربية، على قلتها، تقتصر على تاريخ الحكام و صراعهم مع الأئمة، و تتجافى عن تاريخ الشعب العماني، بمختلف أعراقه و لهجاته، و عن عاداته و تقاليده، و أنماط سلوكه و تفكيره. إضافة إلى هذه الأهمية، فإن الوثائق الأجنبية المتصلة بعمان متعددة و تشمل:
أ‌-        قصص الرحالة و مغامراتهم في مختلف أرجاء عمان، من القرن الخامس عشر حتى يومنا هذا. هناك مئات الرحالة البريطانيين، و الأمريكيين، و الفرنسيين، و الهولنديين، و البرتغاليين، و الألمان، و غيرهم من مختلف أصقاع العالم، ارتادوا هذه المنطقة، و ما زالوا إلى الآن، و كتبوا عن تاريخ العمانيين، خاصة أيام الإمبراطورية العمانية التي بسطت نفوذها من بندر عباس على ضفاف الخليج العربي إلى شرق أفريقيا، بالإضافة إلى بعض الجزر الواقعة في المحيط الهندي. و قد تنوعت كتابات الرحالة ما بين كتب مستقلة، إلى فصول ضمن كتب عامة تتناول الشرق الأوسط، إلى قصص متناثرة في بعض المجلات المتخصصة في أدب الرحلات. و حسب إحصائيتي المبدئية، هناك حوالي خمسمائة وثيقة متصلة بالرحالة الأوروبيين في عمان، تنتظر الترجمة. و من أهم الأمثلة على هذه الرحلات التي لم تترجم رحلات القنصل البريطاني صمويل باريت مايلز، و هو من أبرز الرحالة الأوروبيين الذين شدوا الرحال على نطاق واسع في عمان. فلكونه معتمدا سياسيا وقنصلا بريطانيا في مسقط، استطاع مايلز أن يتجول في اتجاهات عدّة في عمان من 1874 إلى 1885. زار الأشخرة في سبتمبر سنة 1874 على متن البارجة (فيلومل) أو الهزار Philomel. و الرحلة الثانية في سبتمبر 1874 أخذت مايلز إلى قلهات و قد قدم من خلالها وصفا تاريخيا و جغرافيا عن المدينة. و في سنة 1875 وصل إلى صحار، و منها انتهز الفرصة لزيارة البريمي عن طريق وادي الجزي. و هنا قدم لنا مايلز –متأثرا باهتماماته التاريخية- وصفا مسهبا لكلتا المدينتين. و صعد مايلز في سنة 1876 إلى قمة الجبل الأخضر. بدأ الرحلة من بركا وتجاوزها إلى نخل حيث أخبرنا عن الجمال المعماري لمنازلها، و السمات المختلطة لسكانها، و ينابيعها الحارة، و قلاعها، و حصونها، وصناعتها. ثمّ عبر إلى العوابي حيث لاحظ أن الزعفران يستعمل من قبل النساء للزينة. ثمّ صعد الجبل الأخضر على حمار و كان معجبا بثبات و قوة تحمل هذا الحيوان. و بخصوص الجبل الأخضر، وصف لنا تأريخه وناسه وثماره وصناعته. و في فبراير سنة 1884 قام مايلز بزيارة وادي الطائين، و بذلك يعتبر أول أوروبي يصعد عقبة هذا الوادي. و في نهاية نفس السنة أبحر مايلز من ظفار  على متن السفينة (دراجون) Dragon مرورا بمرباط، و البليد، و جزر كوريا موريا. أما الرحلة النهائية لمايلز فقد أخذته إلى حدود "الصحراء العظيمة" أو الربع الخالي في ديسمبر سنة 1885. و في هذه الرحلة استطاع أن يجتاز معظم مناطق عمان بما فيها ازكي، و وادي حلفين، و منح، وأدم، و عز، و نزوى، وبهلا، و جبرين، و جبل الكور، و تنوف، و الحمرا، و عبري. و من عبري توجه إلى ضنك، و الرستاق، و السويق، و بركا. و طوال هذه الرحلة الشاملة تمكن مايلز من جمع تفاصيل هامة حول العمانيين وعاداتهم وأساليبهم وتاريخهم. و الحقيقة أن معظم رحلات السفراء الأوروبيين في عمان لم تترجم إلى الآن، عدا رحلة واحدة لصمويل مايلز، قمت بترجمتها و نشرها في جريدة الوطن خلال هذه السنة 2008. و من الرحلات التي تستحق الترجمة كتابات الإرسالية الأمريكية في عمان و التي قامت بتجوال واسع في المنطقة خلال النصف الأول من القرن العشرين. و من أشهر الرحالة و المبشرين الأمريكيين في الجزيرة العربية صمويل زويمر، الذي أسس بالاشتراك مع جيمس كانتين "الإرسالية الأمريكية العربية" في نيوجرسي، سنة 1889، و قد بدأت عملها في عمان بتأسيس "مستشفى الرحمة" في مطرح سنة 1909 بقيادة الدكتور جون شارون طومس.  قام صمويل زويمر برحلتين في عمان، الأولى كانت في مارس، سنة 1900، حيث انطلق من الشارقة إلى شناص حتى وصل صحار، و الثانية كانت في مارس، سنة 1901، بدأها من أبوظبي إلى البريمي، حتى صحار. نشر زويمر عدة أعمال تتعلق برحلاته في عمان و الجزيرة العربية، لعل من أهمها كتابه "الجزيرة العربية، مهد الإسلام"، ظهر في لندن سنة 1900. كما نشر رحلاته في بعض الدوريات، و منها "الأبواب المفتوحة في عمان، الجزيرة العـربية"، ظهرت في (المجلة التبشيرية للعالم)، سنة 1901، و "ثلاث رحلات في شمال عمان"، نشرت في (المجلة الجغرافية)، سنة 1902، و "عمان و شرق الجزيرة العربية"، ظهرت في (نشرة الجمعية الجغرافية الأمريكية)، سنة 1907، و "ملاحظات حول عمان"، نشرت في (المجلة الجغرافية الوطنية)، سنة 1911. و المبشر الآخر الذي تجول كثيرا في عمان الدكتور بول هاريسون، و قد عمل مبشرا ضمن الإرسالية الأمريكية في عمان خلال السنوات من 1909-1954. نشر هاريسون رحلاته هذه في كتاب بعنوان "طبيب في الجزيرة العربية" صدر في نيويورك سنة 1940، و ترجمه باختصار شديد محمد أمين عبد الله، و نشرته وزارة التراث و الثقافة سنة 1981. و قد نشر هاريسون أيضا عن نشاطاته التبشيرية في عمان مقالة بعنوان "عرب عمان"، ظهرت في (مجلة العالم الإسلامي)، سنة 1934.
ب‌-    الوثائق التاريخية، و السياسية، و العلمية، و هي إما كتب منشورة أو مقالات في الصحف و الدوريات العالمية بمختلف اللغات. و هذا كم هائل يصعب حصره، و لكني سأعطي أمثلة، على الأقل من الوثائق الإنجليزية. يتوفر في المكتبة البريطانية ما لا يقل عن ألف و خمسمائة كتاب يتعلق بعمان، كما يوجد بها حوالي ألف مقالة منشورة في الصحف و الدوريات.  و من الكتب الهامة التي ينبغي أن تترجم في هذا الصدد كتاب "الطريق إلى وبار" للمخرج السينمائي ومنتج الأفلام الأمريكي نيكولاس كلاب Nicholas Clapp. في سنة 1991، نظّمَ نيكولاس كلاب بعثتين إلى عُمان مع فريق، ضم علماء آثار، و جيولوجيين، و علماء فضاء، وبَعْض المُغامرين. و قد فَحصوا الأبراجَ في شصر، شمال ظفار، و وَجدوا دليلا يثبت أن المستوطنة تعود إلى 400 سنة قبل الميلاد. و قد خلصوا من تنقيبهم إلى أن وبار، أو إرم موجدة في شصر. و الحقيقة أن بعض الرحالة الأوروبيين، و علماء الآثار يعتقدون بأن إرم مدفونة تحت رمال جنوب عمان. فبعض المستكشفين مثل بيرترام توماس، و ولفريد ثيسجر، و ويندل فيلبس قد صرحوا في كتاباتهم بأن "المدينة المفقودة" موجودة في جنوب عُمان. و مثل هذه الكتب الآركيولوجية التي تنقب في حضارة عمان القديمة، جدير بالترجمة. و إثباتها بأن إرم "التي لم يخلق مثلها في البلاد" مطمورة في ثرى جنوب عمان مكسب حضاري عظيم، رغم شكوك البعض في نوايا علماء الآثار الذي اشتغلوا على هذا الموضوع. و هناك بعض الكتب التي لم تترجم حتى الآن، و هي مهمة لأنها تتناول التاريخ السياسي لعمان قبل سنة 1970، الفترة التي تندر فيها المراجع العربية. و من هذه الكتب كتاب إيان اسكيت "مسقط و عمان: نهاية مرحلة"، الذي صدر في لندن سنة 1974. كان اسكيت في عمان من سنة 1966 إلى سنة 1968 موظفا من قبل شركة "تنمية نفط عمان"، و قد  قدم في كتابه  معلومات مهمة عن مسقط، و مطرح، و الباطنة، و الشرقية، و الظاهرة. و نظرا لأن فترة  السّلطان سعيد بن تيمور اتسمت بالغموض و العزلة، فإن رواية اسكيت للأحداث والحياة في عمان خلال تلك الفترة تشكّل أهمية بالغة. و من المواضيع الهامة المسكوت عنها في عمان، و قد تناولتها الدراسات الإنجليزية موضوع الأنثربولوجيا، أو علم دراسة الإنسان. و من الكتب الهامة في هذا الموضوع كتاب "ما وراء البرقع في بلاد العرب: المرأة في عمان" للأستاذة النرويجية  يوني ويكان، المتخصصة في علم الأنثربولوجيا الاجتماعي.  قضت ويكان، في عمان، قرابة ثمانية أشهر خلال السنوات من 1974 إلى 1976، بصحبة زوجها عالم الأنثربولوجيا الشهير فريدريك بارت. و قد استغرقت ويكان معظم هذه الفترة في صحار لتدرس مجتمع المرأة من حيث ما تسميه بـ"العزل الصارم للنساء". و رغم هذه العزلة، تعتقد ويكان أن المجتمع الصحاري في ذلك الوقت، كان "يتعايش فيه الجنسان الرجال و النساء بمنتهى الرقة و السمو". ظهر الكتاب مترجما عن الدانمركية في شيكاجو سنة 1991.  
ت‌-    رسائل الماجستير و الدكتوراه، و هي أطروحات علمية غاية في الأهمية تتناول عمان في مجالات عدة تشمل الأدب، و التاريخ، و العلوم، و الزراعة، و الهندسة، و الطب، و النفط، و علوم الكومبيوتر، و الآثار، و التربية و التعليم. و لو اقتصرنا هنا فقط على الأطروحات الإنجليزية، لهالنا عددها المتاح في الجامعات البريطانية و الأمريكية، ناهيك عن الأطروحات المكتوبة باللغات الأخرى. و يشير، مثلا، موقع Index to Theses المتخصص في رسائل الدكتوراه التي أنجزت في بريطانيا من سنة 1716 حتى الآن، إلى وجود حوالي 300 أطروحة تتعلق بعمان في مختلف التخصصات. كما أن موقع ProQuest يشير إلى ما لا يقل عن 400 أطروحة ماجستير و دكتوراه تتعلق بعمان، أنجز معظمها في الجامعات الأمريكية و الكندية. و من الأطروحات المبكرة الهامة، التي تستحق الترجمة رسالة دكتوراه أنجزها قاسم علي شعبان في جامعة تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية، سنة 1977، بعنوان "فونولوجيا عربية عُمان". درس فيها شعبان الأصوات اللغوية في اللهجة العمانية، معتمدا بالدرجة الأولى على لهجة أهل مسقط في ذلك الوقت. كما يمكنني أن أنوه أيضا برسالة دكتوراه أنجزتها أمل نديم غزال في جامعة ادمونتون، ألبرتا، بكندا، سنة 2005، بعنوان "الإسلام و العروبة في زنجبار: النخبة العمانية، العالم العربي، و صنع الهوية". تجادل أمل نديم في هذه الدراسة بأن العلاقات الوثيقة بين النخب العمانية في زنجبار في الفترة من 1880 إلى 1930، و الحركات الفكرية و السياسية في العالم العربي كونت مقاومة أيدلوجية للاستعمار. و تركز أمل نديم على دور الشاعر و المثقف أبي مسلم البهلاني في تعاطيه مع التيارات الفكرية في العالم الإسلامي حفاظا على الهوية العربية في زنجبار. و من الدراسات الهامة التي أنجزها الباحثون العمانيون، دراسة دكتوراه حول الأفلاج العمانية، أعدها الدكتور عبد الله الغافري في جامعة هوكيدو باليابان، سنة 2004، بعنوان "إدارة توزيع الماء في نظام ري الأفلاج بعمان". تناول الغافري في أطروحته التعريف العلمي للأفلاج، و استخدامات ماء الفلج، و إدارة الفلج، و كيفية توزيع ماء الفلج، و جدولة الري، و العدل في توزيع ماء الفلج، و المشكلات التي تهدد الأفلاج.
2-      إن معظم المؤلفات العمانية القديمة و الحديثة لم تترجم إلى أية لغة أجنبية. و ما يمكن الإشارة إليه هنا محاولة مبكرة و مهمة قام بها بعض المستعربين البريطانيين، و الذين زاروا عمان في القرن التاسع عشر. فقد ترجم جورج بيرسي بادجر كتاب "الشعاع الشائع باللمعان في ذكر أئمة عمان" لحميد بن محمد بن رزيق، و نشر ه في لندن سنة 1871، بعنوان:  "" History of the Imams and Seyyids of Oman from A.D. 661-1856، كما ترجم إدوارد تشارلز روس كتاب "كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة" و نشره في كلكتا بالهند سنة 1874، بعنوان: Annals of Oman. و الحقيقة أن كنوز التراث العماني، من تاريخ، و أدب، و علوم، و فلك، و التي نشرتها وزارة التراث و الثقافة ينبغي أن تجد طريقها إلى اللغات الأوروبية، خاصة الإنجليزية، والفرنسية، و الأسبانية، و الألمانية، كما أن إصدارات نخبة من الأدباء العمانيين المحدثين، ممن تحققت تجاربهم و انتشرت أسماؤهم في العالم العربي ينبغي أيضا أن تنقل إلى اللغات الأجنبية. و في هذا الصنيع خدمة كبرى لعمان و ترسيخ لمكانتها التاريخية و الحضارية لدى الأمم الأخرى، كما أن فيها تصحيحا لصورة نمطية بغيضة قد تكرست في أذهان كثير من الأوروبيين، و هي أن عمان، كغيرها من دول الخليج العربي، مجرد دولة عائمة فوق بركة من النفط، و لا تملك جذورا حضارية في المنطقة. و أذكر في هذا الصدد ما جاء في كتاب "رحلات في بلاد العرب" للرحالة البريطاني جيمس ويلستد، الذي زار عمان سنة 1835، حيث زعم المؤلف أنه بحث جاهدا عن مثقفين في عمان، فلم يجد إلا واحدا له معرفة بعلوم الفلك و الأدب و العلوم بصفة عامة، و خلص من ذلك إلى أن عمان هي بلد الجدل الفقهي، بالإضافة إلى السحر و الشعوذة. و هذا الزعم من ويلستد ليس صحيحا، و يناقضه ما أثبته الأستاذ ويلكنسون من نشره لقائمة من المخطوطات العمانية تتوزعها علوم شتى في الطب و الفلك و الأدب و التاريخ. و لكن ويلستد لم تكن عربيته كافية ليطلع على مثل هذه الكنوز، كما أن المخطوطات العمانية حينها لم تكن بطبيعة الحال مترجمة إلى الإنجليزية. و رغم أن ما حصل لويلستد قد كان في النصف الأول من القرن التاسع عشر، إلا أن وضع المعارف العمانية الآن ليس أفضل حالا، فما زالت طي النسيان، لم يحق كثير منها، و لم يترجم أي منها!
3-      إن الهيئة يمكنها أن تقوم بدور فعال في تنشيط السياحة المحلية، و العربية، و الأجنبية، و ذلك من خلال تتبع المقالات اليومية في الصحف و المجلات العالمية، و خاصة الصفحات المخصصة للسياحة و السفر. و في مثل هذه الصفحات ينشر بعض السياح مقالات عن زياراتهم لعمان، و هي في الغالب كتابات إيجابية تصف إعجابهم بالتنوع الجغرافي للسلطنة، و سحر الجبال العارية و الشاهقة في المنطقة الداخلية، و فتنة الرمال في المنطقة الشرقية. و من يبحث في الصحف البريطانية فقط، على سبيل المثال، كالتايمز، و الجارديان، و الإندبندنت، يدهش من كثرة المقالات السياحية التي تعبر عن إعجاب السياح البريطانيين بعمان و طبيعتها المتنوعة. و من هذه المقالات ما نشره الصحفي البريطاني الشهير أدريان جل Adrian Anthony Gill في صحيفة التايمز يوم 29 يناير 2006. و هي مقالة يصف فيها رحلته إلى عمان مصحوبا فيها بولديه فلورا و علي، أثناء إجازة منتصف الفصل، و قد عبر عن دهشته من التنوع البيئي لعمان، و كتب عن حضارتها، و عن الأمن،  الذي لم يجد مثله في الشرق الأوسط. يقول جل، مبررا سبب قضائه لإجازته في عمان: "أريد لأطفالي أن يسافروا بتفاؤل و هدف. و عمان ليست مجموعة آبار من النفط. إنها إمبراطورية قديمة، شملت زنجبار و سواحل أفريقيا الشرقية، و بعض الموانئ في بلاد فارس".  و يضيف: "إن السبب الأكثر واقعية لاختياري المجيء إلى عمان هو تنوعها البيئي المدهش. إنها ليست كدول الخليج التي تتكون إما من بنايات زجاجية مكيفة أو من أكواخ أشجار تخفق فيها الرياح.  هنا أودية ذات واحات خلابة، و مياه عذبة باردة تتدفق متموجة من الجبال في شعاب و شلالات رائعة".  و لعل من أطرف ما كتبه السياح الأجانب في عمان و جمال طبيعتها ما نشره مايك هايويل-ديفيزMike Hywel-Davies، في مجموعة شعرية أصدرها في مسقط سنة 1999، بعنوان "عمان تزورها و لا تنساها ". في هذه القصائد، و الصور الجميلة المرافقة لها، يصف الشاعر جبل شمس، و رمال الشرقية، و البرك المائية في وادي بني خالد، و صيادي السمك، و مسابقة الثيران في الباطنة. يقول مثلا في وصف البرك المائية في وادي بني خالد:
على مدار السنةِ توجدُ في الوادي ينابيعُ طويلةٌ نديّة
تروي الليمونَ و النخيلَ، تمتصُّها مِضَخّةٌ
مُلتـَهِمةٌ، مُتـَدفـِّقةٌ، خَفـّاقةٌ
حِزَامُها يُطَقْطِقُ رُخَاءً في الصمتِ.
يَتوقّفُ، ساكِنـًا.
الصمتُ.
صَمْتٌ تلمسُه بعد ثـُغـَاءِ العنزةِ
وصيَاحِ الشَّـقـراق، و طنينِ الخُنـْفُسَاء.
يَتوقـّفُ.
يَصْمُتُ.
صَمْتٌ تلمسُه، تـَشْعُرُ به.
جافٌّ.
جفافَ عظمِ عِجْلٍ حتى البياض،
جفافَ مِلحٍ صَدئٍ، و سَعَفٍ فاسدٍ
صقلتـْه الشمسُ حتى اسْمَرَّ.
عَرَقٌ مالحٌ يَبْدأُ
يَسْتـَقْطِرُ قلبًا يَكتمُ خَفـَقـَانـَه و يُطـْلِقـُه بسُرعة
دَمًا مُتـَدفـِّقـًا راعِدًا.
في صمتِ الانتظارِ
يَقـْصِفُ الرعدُ أعاليَ الجبالِ البعيدة
بينما يَنـْهمِرُ المطرُ وابلا
مُولـِّدًا سيولا سَمْراءَ
تَجْرِفُ الطينَ و تطحنُ الحَصَى
تـَحْتـَفِرُ الصمتَ
تقتلعُ حشائشَ الربيعِ الهَشّةَ
و ينتهي هذا الهَيَجانُ
إلى رقائقَ من الوَحْلِ
و أسماكٍ لاهثةٍ و طحالبَ لزِجة.
تـَسْفعُ الشمسُ وجهَ الأرضِ
و يَذهبُ
الرُّعْبُ
و تمتدُّ بِرَكُ الوادي هادِئةً
عَذبةً و خِصْبة.
4-      يمكن للهيئة أيضا أن تقوم بترجمة الأعداد الكاملة لـ "مجلة الدراسات العمانية"، و هي مجلة رائدة في مجال التاريخ الثقافي و الطبيعي لعمان، تصدر باللغة الإنجليزية عن طريق وزارة التراث و الثقافة منذ سنة 1975، و قد صدر منها حتى الآن 14 مجلدا. و الدراسات المنشورة في المجلة بالغة الأهمية لأنها تركز على جوانب دقيقة في مواضيع الآثار، و الأنثروبولوجيا، المتصلة بعمان. و مثل هذه المواضيع لا تجد لها صدى في الدراسات العربية للأسف. فمن الدراسات التي نشرت في هذه المجلة: "قلهات في التاريخ العربي"، و "ابن مقرب و نينوه: حكاية شعبية من طيوي"، و "الشبابية: الناي المحلي لجبال الحجر الشرقي"، و "الحياة النباتية في جزر الحلانيات"، و "تحفة رائعة من العمارة العمانية في القرن السابع عشر"، و "الشواوية من أهل عمان الشمالية: مجتمع رعي في طريق التغير". و هي مواضيع تمس التاريخ الثقافي لعمان، و تكاد تكون مجهولة لدى القارئ العربي.
5-      في وسع الهيئة أيضا أن تقوم بدور رائد في السلطنة و الخليج العربي، و ذلك عن طريق تعريب العلوم التطبيقية، و كذلك العلوم الإنسانية، بتتبع المنجزات العالمية من مختلف اللغات و ترجمتها إلى اللغة العربية؛ مما يتيح للطلاب في جامعة السلطان قابوس، و الجامعات الخاصة، و الكليات التقنية متابعة مستجدات العلوم من مختلف التخصصات بسهولة ويسر. و هذا دور حضاري كبير تضطلع به الدول المتقدمة التي تسعى لرقي أبنائها و النهوض بطاقاتهم و ابتكاراتهم.
6-      تستطيع الهيئة أن تستوعب الكوادر العمانية من المتخصصين في الترجمة، و بذلك تسهم في خلق فرص العمل للعمانيين. و الملاحظ أن الترجمة الفورية على وجه الخصوص معدومة في السلطانة بمختلف مؤسساتها. و إنه لمن المخجل أن تستعين مثلا جامعة السلطان قابوس، و بقية الجامعات الخاصة، و كذلك وزارة الأوقاف و الشؤون الدينية، بمترجمين فوريين غير عمانيين أثناء عقد الندوات و المؤتمرات في السلطنة.
7-      يمكن للهيئة أن تسهم في عملية تطوير اللغة العربية، و ذلك بضخها بالمفاهيم والمصطلحات الجديدة، و تيسير استخدامها من قبل الباحثين، و المثقفين، و وسائل الإعلام. و في هذا الصدد يمكنها أن تتلافى ما وقعت فيه بعض مجامع اللغة العربية للأسف من عجز في مواجهة المصطلحات العلمية الحديثة.
8-      يمكن للهيئة أن تقوم بعلاقات شراكة مع الجامعات ومراكز البحث ومختلف المؤسسات المحلية و الدولية ذات العلاقة بالترجمة. و بهذا تستطيع أن تجعل عملية الترجمة في عمان عملية منظمة، تسير وفق خطط و استراتيجيات مدروسة، بعيدة عن العشوائية و الارتجال.
9-      في وسع الهيئة أن تنظم المؤتمرات و الندوات و ورشات العمل التي تساعد على تطوير المستوى المهني للمترجمين العمانيين، والنهوض بحركة الترجمة في عمان.
هذه بعض المسوغات التي بدت لي، على الأقل الآن في هذه العجالة، لضرورة تأسيس هيئة وطنية حكومية للترجمة، و إلا فإن الدراسة الشاملة لهذا الموضوع تتطلب وقتا للبحث في الأهداف، و الرؤية، و الرسالة، و المحتوى، و آليات التنفيذ. وحسبي من إثارة الموضوع تحريك الساكن، فهل له من أذن واعية؟

وقَفات مع شيخ المترجمين العمانيين

وقفات مع شيخ المترجمين في عُمان، محمد أمين عبدالله
لا أظن أحدا، من عامة المثقفين العمانيين و خاصتهم، يجهل الأستاذ محمد أمين عبدالله، شيخ المترجمين العمانيين دون منازع. فالرجل يملك رصيدا من الأعمال التي ترجمها، تنوء بها العصبة أولو القوة من المحترفين في الترجمة. فمنذ السبعينيات و حتى آخر نفس في حياته، كان يقدم للمكتبة العمانية عشرات المؤلفات المعنية بعُمان، ينقلها من الإنجليزية إلى العربية بلغة أدبية رصينة يفتقر إليها اليوم كثير من علوج الترجمة و هُجنائها في العالم العربي. تقرأ ترجماته فتشعر أن الرجل يمتلك ناصية اللغتين؛ المصدر و الهدف. قليلا ما تقف في كتاباته على أخطاء لغوية مما يقع فيه اليوم كثير من محترفي الترجمة، ممن قد يتقنون اللغة الأجنبية، ولكنهم للأسف لا يقيمون فاعلا و لا مفعولا في لغتهم الأم! و حسبه أيضا الريادة في هذا الفن فيما يتعلق بعمان؛ إذ كان فاعلا في الترجمة من الإنجليزية إلى العربية في وقت كان الكثير فيه من بني وطنه يعانون من أمية القراءة و الكتابة.
و مع ذلك فإن ترجمات محمد أمين المختلفة تعاني من بعض القصور في الترجمة. و لا أريد في هذه العجالة أن أدرس ترجماته دراسة منهجية، و إن كانت تستحق ذلك لكثرتها و تنوعها. و لكني بما يسمح لي به الوقت، أود تسجيل ملاحظات كنت قد دونتها إبان دراستي في إنجلترا لأدب الرحالة الأوروبيين في عمان. و هي وقفات متأنية تمت عبر مقارنات بين النص الإنجليزي و النص العربي في بعض أعمال محمد أمين، التي نشرتها وزارة التراث و الثقافة، و سأخص بالذكر منها هنا كتابي بيرترام توماس (البلاد السعيدة، 1981)، و (مخاطر الاستكشاف في الجزيرة العربية، 1981).
1-   الاختصار و الحذف في الترجمة:
قد يكون الاختصار و الحذف أمرين مشروعين في الترجمة الحرة، التي لا يلتزم فيها المترجم حرفيا بالنص الأصلي. و لكن هذا التصرف قد يؤدي، أحيانا، إلى مغالطات صعبة في الدراسات الثقافية أو المقارنة، التي تعتمد اعتمادا كليا على النص المترجم. و كثيرا ما يحذف محمد أمين في ترجماته، حذفا يصل أحيانا إلى ثلثي الكتاب. فكتاب (مخاطر الاستكشاف في الجزيرة العربية) لبيرترام توماس يتكون في نصه الأصلي من 293 صفحة، تم اختصاره في العربية إلى 83 صفحة. و حتى لو قلنا بأن المترجم اكتفى منه بالقسم المتعلق برحلات توماس في عمان و تجنب رحلاته في العراق، فإن هذا القسم يتكون أصلا من حوالي 178 صفحة، فأين ذهب أكثر من نصفه ؟. ثم إن المسألة ليست مسألة أرقام، و لكنها أخطر من ذلك؛ فهي تتعلق بحذف آراء هامة للمؤلف حول الثقافة في عمان و أنساقها. فقد أفسح توماس في كتابه هذا صفحات كثيرة للحديث عن بعض المظاهر الثقافية في عمان خلال الثلاثينيات من القرن العشرين، مثل تقاليد "البرزة" و إنشاد الشعر فيها، و طريقة جلب الماء من البئر، و شَيِّ اللحم على الحصى، و طريقة الأكل الجماعي و استخدام اليد فيها أو كما يعبر توماس بلغة ساخرة "غمس أبو خماس في جبل من الرز". بل انطمست في الترجمة العربية العديد من المواقف الانتقادية التي اتخذها توماس تجاه بعض المعتقدات العمانية مثل خلو المساجد الإباضية من الزخرفة، و اللجوء إلى الشعوذة و الأساطير في علاج بعض الأمراض، إلى غير ذلك مما يجعل الترجمة العربية جد فقيرة في دراسة آراء الأوروبيين و مواقفهم المختلفة من الثقافة العمانية. و ما كنت، شخصيا، لأعتمد على هكذا ترجمة في تحليل أدب الرحالة البريطانيين في عمان. و مثل هذه الترجمات فِخَاخ حقيقية لبعض الكسالى و المعوزين من ثنائية اللغة، حين يعتمدون عليها في تحليل الخطاب الغربي. 
و كتاب (البلاد السعيدة) قد يكون أحسن حظا من سابقه، فالحذف فيه أقل، و إن كان يصل إلى صفحات عدة. و سأقف هنا أمام حالتين، إحداهما أن المترجم حذف جملة في مقدمة الرحالة لكتابه، هي غاية في الأهمية و لا مبرر لحذفها لأنها تعكس موقفا أو رأيا لهذا الرحالة الأوروبي حول الإسلام، أو على وجه الدقة إسلام أهل عمان بشكل خاص. فبرترام توماس في معرض حديثه عن الأسباب التي جعلت الجزيرة العربية ”الأرض المحرمة“ على المكتشفين الأوروبيين في وقته، ذكر من جملة هذه الأسباب التعصب الديني لأهل المنطقة، و هو في ذلك يرى أنهم فرضوا الإسلام بالسيف. يقول توماس: ”ثانيا، عقيدة هؤلاء البدو، في التطبيق على الأقل، متعصبة و منغلقة. و لطالما اعتقدوا بأن فرض الإسلام بالسيف من الاستقامة في الدين.“ و نرى أن محمد أمين عبدالله اختزل هذه الفقرة في الترجمة هكذا: ”السبب الثاني: هو أن هؤلاء السكان متعصبون لعقيدتهم الدينية“. و هذا التصرف في النص الأصلي يؤدي إلى مغالطات خطيرة فيما لو قام باحث، معتمدا على الترجمة فقط، بدراسة أراء برترام توماس حول المسلمين و ثقافتهم في الجزيرة العربية. 
و الحالة الأخرى في هذا الكتاب أن المترجم حذف صفحة (29) من النص الأصلي، و في رأيي لا مبرر لحذفها، و إن كانت تحمل وصفا بشعا لأحد الولاة في صلالة بأنه "وجهه صفيق، و له عثنون خشن طويل، و هيئة مزرية"؛ لأن تحامل توماس على هذا الرجل كان عنصريا صارخا، و هو يحدثنا في نفس الصفحة بأنه كان يشكو من وضعه المالي الفقير، بينما يحصل الإنجليز على مبالغ طائلة في بلده. و ما كان ليصفه بهذه الأوصاف العنصرية لو لم يعبر عن رأيه السياسي هذا. و حذف مثل الآراء، كما ذكرت تحرم القارئ العربي من تكوين صورة دقيقة و واقعية حول مواقف الأوروبيين من الشرقيين، و فيضان عنصريتهم عن قصد و عن غير قصد أحيانا.
2- الإضافة في الترجمة:
إذا كان الحذف، رغم مزالقه الخطيرة، قد نجد له مندوحة أحيانا، فما الذي يمكن أن يبرر إقحام المترجم جملة أو فقرة في النص الأصلي؟ هذا ما كان يمارسه، للأسف، محمد أمين أحيانا في ترجماته، مما يزيف الحقائق، و يشوه الترجمة.  ففي كتاب (البلاد السعيدة) نسب إلى برترام توماس كلاما لم يقله، و هذا الأمر خطير أيضا في الدراسات المقارنة التي تعنى بآراء كتاب أجانب حول أمّة ما. لنقارن بين ترجمة محمد أمين لفقرة من كتاب ”البلاد السعيدة“، و بين ترجمتنا لها لتتضح خطورة هذا الأمر.
الترجمة الأولى (محمد أمين): ”بدأ اليوم بصلاة الصبح، و أخذ المرافقون الذين ناموا على العشب يستعدون ليومهم الجديد و قد أدى الشحرة و القرا الصلاة و هم جلوس في أماكنهم بعد أن تيمموا للصلاة، و قد سألت كيف يبيح مذهبهم الشافعي التيمم؟ ...أما العمانيون الثلاثة و هم من العناصر الإباضية المحافظة فقد توجهوا للوضوء من إحدى برك الماء، لأن مذهبهم لا يبيح لهم التيمم و كان الثلاثة يحملون بنادقهم معهم.“  
الترجمة الثانية (هلال الحجري): ”حان وقت صلاة الفجر، و نهض رفاقي، و قد ناموا على العشب، يظهرون بعض الحياة. انتصب فرادى و جماعاتٌ من القَرَى و الشحرة للصلاة بعد أن تيمموا لها، و قد عجبت من هذه السماحة في مذهبهم الشافعي. في حين أن ثلاثة من رفاقي العمانيين الإباضية كانوا حريصين على الشكليات، فانطلقوا، يحملون بنادقهم – ولن تجد أحدا في هذه الجبال يمشي دون سلاح – إلى بركة في الوادي، لأنهم يعتقدون أن صلاتهم لا معنى لها دون وضوء.“
أولى الملاحظات على النصين، أن في ترجمة محمد أمين، نعلم بأن رفاق توماس من الشحرة و القَرَى أدوا الصلاة جلوسا، و  الثانية أن المذهب الإباضي لا يبيح التيمم. و هذا تدخل في النص و عبث به لأن توماس لم يقل هذا على الإطلاق. و هنا يكمن الخطر، فعندما يأتي دارس لآراء توماس من خلال هذه الترجمة قد يتحامل عليه و لا ينصفه، و ما هو إلا ضحية للمترجم.
 و من أغرب الإقحامات التي مارسها محمد أمين، كانت في كتاب (مخاطر الاستكشاف) في صفحة (65). فبعد ترجمته لحكاية نقلها توماس من أحد مرافقيه البسطاء، و هي من قصص العامة دون شك، و تدور أحداثها حول الرسول الكريم، عليه الصلاة و السلام، و مروره هو و أصحابه برجل بخيل ذبح لهم قطة، ولكن الرسول علم بالأمر فنهى أصحابه عن الأكل، و نادى على القطة فخرجت حية و هربت، و سأل الرسول ربه أن يحاسب هذا الرجل على فعلته، و بالفعل –كما تقول الحكاية- حول الله الرجل إلى دابة لتكون حلالا و يأكلها كل الرجال!
إلى هنا و ينتهي توماس من سرد الحكاية، و لكن محمد أمين يضيف من عنده جملة ساذجة ليختم بها القصة: "و إن هذه القصة –دون مناقشة لها- لتدخل في النفس شعورا عميقا بقدرة الله و إرادته التي تجري على يد رسله من النبيين و الرسل".
أيعقل هذا! هناك أسئلة أقف حائرا أمامها و هي كيف استساغ محمد أمين هذه الخرافة التي يلوكها العامة ليذيلها بهذه الحكمة البلهاء؟ ثم ما الذي حمله على تقويل توماس، و هو غير مسلم، مثل هذا الاعتقاد؟ و هل يجوز أصلا أن يضيف المترجم شيئا من عنده إلى النص الأصلي؟
2-   الخطأ في الترجمة:
هناك كلمات و جمل نقلها محمد أمين إلى العربية نقلا خاطئا، و لا يَظنّنّ أحدٌ هنا بأننا نتصيد في الماء العكر، لأن مثل هذه الأخطاء لا تليق بسمعته كمترجم رائد، أولا، و لأنها، ثانيا، لا تعطي صورة دقيقة لموقف المؤلف و اتجاهه. و الأمثلة على ذلك كثيرة سنقتصر منها على كتاب (البلاد السعيدة). في صفحة (30) يتحدث توماس عن "تقلّب" أنظمة الحكم في الجزيرة العربية، و هو يرى أن هذا التقلب يسري في دم العرب وراثيا، و يستخدم لذلك هذه الجملة "Instability is the chief characteristic of any regime in tribal Arabia ". يترجمها محمد أمين بما لا يوحي إطلاقا بهذا الرأي الخطير لتوماس، هكذا "إن الفردية هي الطابع المميز للعلاقات القائمة بين القبائل العربية و هي شيء متأصل في وجدان الفرد العربي".
و من أطرف ما وقفت عليه في ترجماته الخاطئة، في صفحة (48)، حيث يذكر توماس أن من تقاليد العبيد في ظفار أن أي فرد منهم يخالف عاداتهم و تقاليدهم يتم خلعه و نفيه خارج طائفته، و هو يستخدم لذلك كلمة (ostracism ) التي تعني النفي خارج القبيلة. و لكننا نرى محمد أمين يترجمها إلى "الخصي"! و في هذا تشويه لعادات هذه الطائفة من البشر، التي ربما لا تريد المساس بتقاليدها. و هناك كلمات أخرى مثل (sophistication) التي يترجمها إلى سفسطة، و هي تعني الحنكة و المراس. و كلمة (disabilities) التي يترجمها إلى حقوق، و هي تعني العجز أو القصور، إلى غير ذلك من الهنات لا تليق به.
أما بعد، فقد يفهم من هذه الوقفات بأنها تتبع لعثرات المترجم و تصيد لأخطائه، و ليست الحقيقة كذلك. إن هي إلا ملاحظات أردت منها التنبيه إلى مزالق الترجمة و خطورتها في نقل الثقافات من لغة إلى أخرى. و من جهة أخرى فإنني لا أحمّل الأستاذ محمد أمين - رحمه الله- وحده كل هذه الأخطاء، فقد يكون الناشر، و هو وزارة التراث، قد مارس معظم هذه الهيمنة على النصوص الأصلية، من حذف و إضافة و لي لأعناق بعض الجمل مما لا يتفق مع أهواء بعض العاملين فيها. و لكن هذا أيضا مجرد حدس لا سبيل لإثباته ما دام المترجم قد قبل بنشر هذا الكتب موقعة باسمه، و لم ينشر، في حدود ما أعلم، تعليقا يستنكر فيه مثل هذا التدخل المريع من الناشر.

ترانيم تبشيرية في الخليج العربي

ترانيم تبشيرية في الخليج العربي


في سنة 1889م تأسست في نيو برَنْزويك بالولايات المتحدة الأمريكية حركة تبشيرية عرفت بـ "الإرسالية العربية" Arabian Mission، هدفها، كما أعلن في مشروعها، "تنصير شبه الجزيرة العربية". كان العقل المدبر، الذي تحمس للفكرة و نَظّرها ، هو البروفيسور جون لانسنج، أستاذ لغة العهد القديم و تفسيره بمعهد اللاهوت التابع لكنيسة الإصلاح بنيوجرسي.  تكون المؤسسون من صامويل زويمر، و جيمس كانتين، و فيليب فليبس، لكن زويمر و كانتين كانا المحركين الفعليين للإرسالية على المستويين العملي و الكتابي. خلال الفترة من 1891 إلى 1973، قامت الإرسالية عبر مراكزها الأساسية في البصرة و مسقط و البحرين و الكويت، بأنشطة تنصيرية واسعة في الخليج العربي تنوعت بين العمل الطبي، و الرحلات، و بيع الكتب المقدسة، و التدريس، و التبشير في الأسواق و التجمعات العامة. ربما لم تنجح الإرسالية في هدفها المعلن كما خطط لها، و لكنها نجحت في خلق خطاب ديني متراكم حول المنطقة تشتمل عليه مجلة الإرسالية Neglected Arabia أو "العربية المنسية"، و كذلك بعض الكتب التي ألفها أبرز المبشرين في الإرسالية مثل صامويل زويمر و بول هاريسون. خلال دراستي الحالية بجامعة كيمبريدج لصورة عُمان في هذا الخطاب الديني عبر منهج الاستشراق و الدراسات ما بعد الاستعمارية، لفت نظري وجود قصائد و ترانيم كانت تعزف في الكنائس، و تتصل اتصالا مباشرا بأنشطة الإرسالية في الخليج العربي. قمت بترجمة بعض هذه النصوص لأهميتها في تتبع الصورة المتخيلة حول عرب الجزيرة في أذهان المبشرين الأمريكان.
النص الأول هو أنشودة الإرسالية و قد ألفها البروفيسور جون لانسنج سنة 1889، و كانت بمثابة "النشيد الوطني" الذي يعزف في أية صلاة أو قدّاس حول الجزيرة العربية. و النص الثاني قصيدة ساخرة هجائية أشبه بالمناحة، كتبها القس  هنري هاريس جيسَب، المبشر المشهور في بيروت و الذي قضى ستين سنة مبشرا في العالم العربي. يستنهض القس جيسَب، بأسلوب تحريضي هجائي، "مجلس الخارجية" في كنيسة الإصلاح بأمريكا الذي تقاعس عن دعم "الإرسالية العربية" في بداية المشروع. نشرت القصيدة في مجلة الإرسالية سنة 1910.  و النص الثالث ترنيمة قام بتأليفها القس بيتر زويمر، الأخ الأصغر لصامويل زويمر و أحد المؤسسين لمركز الإرسالية في مسقط، مستعينا بقصيدة شهيرة للشاعر الأمريكي بَيَرْد تيلَر عنوانها "أغنية  حب بدوية" لحّنها الملحن الأنجلو-إيطالي سيرو بينسوتي. نشرت الترنيمة في مجلة الإرسالية سنة 1914. و النص الرابع،  قصيدة كتبتها فرانسيس تومْز، من أطفال الإرسالية الذين ولدوا في الجزيرة العربية. رجعت إلى أمريكا في سن المراهقة للدراسة و لم تعد، و لكنها نشرت سنة 1919 في مجلة الإرسالية هذه القصيدة المعبرة عن طفولتها في الجزيرة العربية و شوقها إليها. أما النص الأخير فهو قصيدة  للشاعرة الأمريكية إليزابيث باتون موس، نشرتها في مجلة الإرسالية سنة 1934، حين كانت مبشرة في بلاد فارس. القصيدة تؤكد الفكرة الأساسية التي ينطلق منها معظم المبشرين التابعين لـ "الإرسالية العربية"، و هي أن إسماعيل هو أصل العرب، و أحفاده الآن في الجزيرة العربية ورثوا صفاته التي جاءت في الكتاب المقدّس: " َيَكُونُ إِنْسَاناً وَحْشِيّاً يُعَادِي الْجَمِيعَ وَالْجَمِيعُ يُعَادُونَهُ، وَيَعِيشُ مُسْتَوْحِشاً مُتَحَدِّياً كُلَّ إِخْوَتِهِ" (تكوين إصحاح 16)!.     





1- ترنيمة الإرسالية العربية
بروفيسور جون لانسينج
هناك أرضٌ مَنسيّة منذ زمن
هناك قومٌ ما زالوا منبوذين
لكنّ الربَّ اصطفاهم للحق و الرحمة
من أجل حُبِّه لهم
****
أرقُّ من هفهفة النسيم في لياليهم
و أوفرُ من خيامِهم الشاردة
و أقوى من رمالِهم المَنيعة
هو حُبُّه لهم
****
إلى المسلمين في عُقْرِ دارِهم
و من أجلِ العَبْد النازفِ في قيدِه
إلى البَدويِّ الضارعِ في الصحراء
فلنَجْلِبْ حُبَّ الرَّبِّ لهم
****
عَبْرَ وَعْدِ الرَّبِّ في كتابه المُقَدَّس
عَبْرَ تضحيته طوالَ التاريخ
عَبْرَ الصليبِ الذي تَوّجَ الدهورَ
فلنُرِيهم حُبَّه لهم
****
بالصلاة المُعينةِ دائما
بالقوِّة المُهيمنة
بالحُبِّ الذي لا يَنْضَب
فلنُبلّغ حُبَّه لهم
****
إلى أبناءِ الصحراء الغُرباء
إلى قبائلِها و مَمَالِكِها
إلى ملايين بلاد العرب السعيدة
فلنُمجّد حُبَّه لهم.



2- لا تَصْدَعُوا بها
القس هنري هاريس جيسَب
لا تَصْدَعُوا بين الوَثنيّينَ بأنّ السفينةَ على حافّة الساحل
إنها مُحمّلة بالخَلاص، و الرَّبِّ، و الرُّبّانِ-
لكنّ المَدَّ انحسر و تركها عاليةً و يابسةً،
مدٌّ من ذهبٍ و فضّةٍ، و هدايا غاليةٍ و رخيصةٍ،
عُمْلاتٍ ذهبيّةٍ و دولارات، سنتاتٍ و أقلَّ منها،
تدفّق إلى قنواتٍ أخرى، من قسوةِ الزمن.
****
لا تَصْدَعُوا بين الوَثنيّينَ بأنّ القطارَ خارجَ المَسَار
نَفِدَ الزيتُ و انقطع التيّار
"مجلس الخارجيّة" انحرف برُكّابه و حُمولته
و رسلُ الرحمة فيه عليهم الانتظارَ، رغم تلهفهم للمسير
كان الزيتُ وافرا، و القطارُ يجري بسهولة
و لكنّه ذهب قطرة قطرة حتى نَفِد.
|****
لا تَصْدَعُوا بين الوَثنيِّينَ بأن السَّيْلَ توقفَ عن التدفق
كان يتوالى من الجبال الشامخةِ مطرًا و ثلجًا و نَدًى
و تحوّل إلى نهرٍ و طوفانٍ، إلى جدولٍ و نُهيْر
لقد أبهجَ السهولَ و الجبالَ، البحيراتِ و التلالَ البعيدة
و لكنّه جَفّ! و العطاشى لن يشربوا بعد الآن،
لأنّ "مجلسَ الخارجية" مُهدَّدٌ بالديون المُكبِّلة!
****
لا تَصْدَعُوا بين الوَثنيّينَ، لا تَصْدَعُوا بين اليهود!
لا تَصْدَعُوا بين المسلمين، بهذه الأخبارِ الكئيبة؛
خشيةَ أنْ يَسْخَرَ أبناءُ جالوتَ منّا، و يُفشوا عارَنا
بأنّ الكنائسَ التي تَعهّدت بالحق و الولاءِ للمسيح
لم تَعُدْ تطيعُ أوامرَه، لم تَعُدْ تَكترثُ لصُراخِ
الملايين، التي ستُتْرَكُ الآن تموتُ بأحزانها!
|****
لا تَصْدَعُوا بها بين الوَثَنيّينَ، و لكن بُوحوا بها لسَيِّدِكم.
اجثوا على ركبكم، أيها المسيحيون، و قولوا كلمة الحق؛
"اعتقدنا بأنا أسلمنا أنفسَنا جميعَها إليكَ، لكننا الآن بقلوبٍ منكسرة،
نرى بأنا تخاذلنا في عطائِنا،
لذا، و باستسلامٍ كاملٍ، نهَبُ أنفسَنا كلها إليك".
حينها اصدعوا بين الوَثنيّينَ، بأنّ كنيسة المسيح حُرّة،
و أن مَدّ الحُبِّ يعلو لتطفوَ السفينة مرة أخرى،
و أنّ زيتَ النعمة يتدفّقُ ليجري القطار العالق،
و أنّ أنهارَ الرحمة قادمة كالطوفان،
لتمنحَ السعادةَ للأُمَم، و تُمجِّدَ رَبَّنا.

3- المسيح في سبيل بلاد العرب
القس بيتر زويمر

من الصحراء جاء إليكِ
يا بلادَ العرب! هذه أمنيتكِ,
مُخلّصُك و مليككِ.
إنه مَكْسوٌّ بالنار المقدَّسَة!
تحت سماواتكِ المُزَيّنة بالنجوم يقف,
و منتصفُ الليل يَسمع صيحتَه.
إنه يُحبُّكِ! نعمْ, يُحبُّكِ بشغف!
بحُبٍّ لا يمكن أن يموت!
بحُبٍّ لا يمكن أن يموت!
رغم أن الشمسَ تَخْصَرُ
و النجومُ تَذبُلُ
و صفحاتُ كتابِ القيامة تَتجلّى!
****
اسمعي كلماتِه العطِرة الرقيقة للسلام-
الخلاصُ من الخطيئة و العار!
انظري! إنّه يقفُ و يداه مبسوطتان
إنه مُوجَعٌ من استنكافكِ عنه.
أنصتي! إن نسيمَِ الليل يَهمِسُ,
بأن مُخلِّصَكِ يَعَْبرُ الآنَ
يداه مُسَمَّرتان و على جبينه تاجٌ شوكي
ينطق بحُبٍّ لا يمكن أن يموت!
رغم أن الشمسَ تَخْصَرُ
و النجومَ تذبل
و صفحاتِ كتابِ القيامة تَتجلّى!
****

ليلا خطواتُه منقادةٌ إليكِ
يدفعها الشوقُ من قلبِه
ليسمعَ من شِفاهِكِ المُلطّخَةِ بالإثم
الصلاةَ التي تبعثُ الطمأنينة.
افتحي بابَ قلبكِ,
لم يَعُدْ هذا الضيفُ مَجْحودا؛
دعيه يدخلْ و يُخبرْكِ الآن
عن حُبِّه الذين لا يمكن أن يموت!
رغم أن الشمسَ تَخْصَرُ
و النجوم تذبُل
و صفحات كتاب القيامة تَتجلّى!

4- إلى بلاد العرب
فرانسيس تومْز
بلادَ العرب, رغم أنكِ أرضي و موطني،
لا أملك إلا التعبيرَ عن شوقي إليكِ.
مطلعُ الفَجْر، الأقمارُ و النجومُ التي رأيتُها لأول مرّة في سمائكِ.
تباشيرُ ابتسامةِ الأم، و العنايةُ الأبويّة التي أحسستُها فيكِ.
حُبّي لإلهي الذي هو بعضٌ من حُبّي لكِ، يا بلادَ العرب!
لقد عرفتُ الجُزُرَ الصحراويّة للبحرين،
حيث اللآلئُ الجميلةُ تُوجد و تُطلب و تُباع
بأسعار نادرة لا تُعدّ.
حافيةَ القدمين ركضتُ على الشواطئ الرمليّة لأجمعَ الأصداف؛
و من الرِّمالِ المتحركة شيّدتُ مُدُنًا مُحصّنة بقطِعٍ
 من الأخشاب البيضاء الطافية؛ ثم غمرتُها، بخوف طفولي،
في ضحضاح بحر لانهائي.
خمائالُ رأيتُها في مسقط و البحرين؛
و رأيتُ النخلَ الرشيقَ في البصرة عطوفا و حانيا
على السواقي الرطبة.
لقد أحببتُ الجروفَ الوَعْرة في شاطئ عُمان.؛ العويلَ المُدوّيَ
 و حربَ الأمواج القاسية و هي تضربُ دون كلَلٍ
تلك الصخورَ الباسلة التي لن تستسلمَ أبدا.
أحببتُ كلَّ شيء فيكِ، و حُبي لكِ يزداد.
خلفَ شواطئِك الرميلة اللينةِ و صخورِك العارية
أرى أرضًا غنيّة- أرضيَ المَوعودةَ,
إنها اختياريَ الأبديُّ، أتوقُ، أتوقُ
إليكِ، يا مُنْيَة قلبي-يا بلادَ العرب.

5- إسماعيل- الربّ يسمع
إليزابيث باتون موس

إسماعيل! "الرَّبُّ يسمع!" اسمٌ أوحيَ به
ليكونَ أولَ أبٍ لجنسِ العرب
مُتوحِّشًا، فخورًا، مُتحدِّيًا، ابنَ أمَة،
قاطنًا وحيدًا للصحراء.
"يسمعُ الربُّ!" حين ضحك إبراهيمُ، غيرَ مُصدِّقٍ
و في شك ساخر، من الكلمة الموعودة،
متوسلا بأن يشاركَه إسماعيلُ، فتاه البكر،
الرعايةَ الإلهية-فأسبغ عليهما الربُّ بركتَه و نعمتَه.
"يسمع الربُّ" كاد الفتى أن يموتَ من العطش
و لكنه نجا حين انفجر ينبوعُ الماء في البَرّيّة
و ذاع صيتُه في كل مكان
و تم الاعترافُ بذرّيتِه كغُزاةٍ فاتحين.
"يسمع الربُّ" يتوسل الابنُ أن يكون قُرْبانًا
فيُفدَى الجميعُ بواحدٍ، بكبش
و يُرسل الشهيدُ مُتوَّجا بالنجوم
لينشر بذورَ الكلمة الطيبة، دون أملٍ في الحصاد.
"يسمع الربُّ" صلواتِنا.
ننظر استجابتَها من الواحةِ، و السوقِ، و الحريمِ المُظلم
لعلَّ قبيلة إسماعيلَ العاصية
نكسبُها بالحُبِّ، لتعودَ إلى الرعيّة الموعودة.

ندوة الزهاد و السالكين

ندوة الزهاد و السالكين
أرادت جمعية الكتاب العمانيين من ندوتها "التصوف في الأدب والفكر العماني" التي أقيمت في النادي الثقافي يوم الاثنين 11 يناير 2010 أن تكون ندوة تناقش بالدراسة و التحليل موضوعا هاما في حقل الدراسات العمانية و هو موضوع "التصوف العماني"، و لكن للأسف جاءت السفينة بما لا تشتهيه عواصف التصوف و أسئلته المُلِحَة، جاءت محملة بحزمة من النوايا الحسنة و الأحكام الجاهزة حول الزهد و السلوك!
حقيقة لم أكن أتوقع أن كلمة "التصوف" مخيفة إلى ذلك الحد الذي جعل معظم المشاركين باحثين و معقبين يتفقون على عزل التجربة الصوفية العمانية عن التجربة الصوفية الإسلامية المشهورة بنماذجها العليا المتمثلة في الحلاج و البسطامي و السهروردي و ابن عربي و غيرهم من أقطاب التصوف الإسلامي. اتفقوا على عزلها و إقصائها، بل وتهميشها في ركن قصي من أركان التصوف، و هو "السلوك". أقول معظم المشاركين؛ لأني أضع استثناء لورقة رصينة قدمها الأستاذ خميس العدوي، قارب فيها بكثير من العمق تجربة المتصوف العماني الجليل أبي نبهان ناصر بن جاعد الخروصي.
و على المستوى البحثي، يبدو أن الشيخ أحمد بن سعود السيابي هو أول من أطلق فكرة أن الإباضية يرفضون التصوف و يؤثرون عليه السلوك. جاء ذلك في بحثه الذي ألقاه سنة 1994 في الندوة التي عقدها المنتدى الأدبي حول الشاعر أبي مسلم البهلاني، و نشر سنة 1998 ضمن كتاب بعنوان "قراءات في فكر البهلاني الرواحي". و هو ينص على أن "الإباضية لم يطلقوا على ذلك التوجه اسم التصوف بل أطلقوا عليه اسم السلوك، فالشعر الذي تكون فيه نزعة صوفية يسمونه شعر السلوك".[1]
و لعل الدكتور وليد خالص هو أكثر المناصرين لعزل التجربة الصوفية العمانية عن التصوف الإسلامي بمفهومه الفلسفي العميق، و حشر هذه التجربة –بكل تجلياتها الضاربة في عمق الفلسفة- في مصطلح باهت يرد لماما في قواميس و معاجم التصوف الإسلامي، و هو "السلوك". جاء ذلك جليا و سافرا في مقالة ضمنها الدكتور وليد كتابه الأدب في الخليج العربي، تناول فيها تحقيقه لكتاب "إيضاح نظم السلوك إلى حضرات ملك الملوك" للشيخ ناصر بن جاعد الخروصي. كما ظهرت الفكرة في تعقيبه على الندوة المذكورة ، و في تأثيره البالغ على أطروحة تلميذه الدكتور عادل المطاعني.
حاول الدكتور وليد أن يتلمس أسبابا غير مقنعة لفكرته هذه منها "الاعتزاز بالشخصية، والرغبة في التميز"، و أهمها، من وجهة نظره، "يتمثل في كون السلوك و مدلوله العميق يشير إلى النقاء الذي ظل محتفظا به من حيث التحامه الوثيق بالشريعة و أحكامها و رغبة الإنسان في اتخاذ طريق معين لعبادة ربه يتمثل في الخلوة، و تلاوة القرآن و الأوراد فحسب، في حين اختلط التصوف و مدلوله بمؤثرات أجنبية أبعدته عن منبعه الصافي، و هو الزهد، و أدخلته في مسارب فكرية متشعبة أوصلت بعض الفقهاء إلى اتهام بعض الصوفية بالكفر، و هو ما نأى الفكر الإباضي بنفسه عنه، و اكتفى بالسلوك منهجا و تفاعلا مع الحياة و أحداثها".[2]
و ما دار في الندوة لا يخرج عن هذا الطرح، الذي يُبسّط التجربة الصوفية العمانية و يُجرِّدها من أعماقها الفلسفية ليجعلها مجرد "خلوة، و تلاوة للقرآن و الأوراد فحسب". و يفيد معجم ألفاظ الصوفية لحسن الشرقاوي بأن السالك "هو العبد الذي تاب عن هوى نفسه و شهواتها و استقام في طرق الحق بالمجاهدة و الطاعة و الإخلاص".  و يقول أيضا بأن السالك هو الذي "أسقط التدبير مع الله و توكله عليه بالكلية، فقذف الله نورا في قلبه، و علما إلهاميا، فصار من أصحاب المقامات لمواهبه و صفاء سريرته، و ليس عن طريق النظر و التحصيل و الدراسة، حتى أصبح علمه كشفا و فتحا".[3]
 و الحقيقة أن الأقطاب الأربعة للتصوف العماني المعروفين، و هم السيد الرئيس جاعد بن خميس الخروصي، و ابنه الشيخ ناصر ابن أبي نبهان، و المحقق سعيد بن خلفان الخليلي، و الشاعر العظيم أبا مسلم البهلاني، جميعهم لم يصرحوا بهذا المصير الذي وضعهم فيه المناصرون للسلوك و المحاربون للتصوف. فمن أين استلهموا هذا الهامش السلوكي الذي سبق تعريفه و تحديده بإسقاط "التدبير مع الله و توكله عليه بالكلية" و الاعتماد على صفاء السريرة دون "النظر و التحصيل و الدراسة"؟! فهؤلاء لا يذكرون مصدرا واحدا يثبت دعواهم، عدا أنهم يشيرون إلى ورود كلمة السلوك في قصائد المتصوفة العمانيين، و هذا أمر طبيعي ما دامت الكلمة مستخدمة في الشعر الصوفي الإسلامي بشكل عام. و من يتصفح دواوين الشعر الصوفي العماني لا يجد هؤلاء الأقطاب – قدس الله سرهم- يتورعون عن ذكر التصوف و المتصوفة. فهذا المحقق الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي يمتدح المتصوفة و يجعلهم في مصاف الراسخين في الشرع[4]:
قمْ هاتِ لي من بحرِ علمك حُجّة    تهدي الهُدى إن لم تكن مُتكلَّفهْ
مِنْ نُورِ عقلٍ أو قياسِ تفلسفٍ    أو راسخٍ في الشرعِ أو مُتصوِّفهْ
إني لذو عقلٍ ربيـــط ثـــاقبٍ      مُتذرِّبٍ بشريــــعةٍ و بفــلســفهْ
و يمتدح طريقة أهل التصوف في معرفة الخالق، قائلا[5]:
بالذوقِ أهلُ الشوقِ تعرفُه فذقْ    و اشربْ و إلا فاسألِ المُتصوِّفه
فالمحقق الخليلي في هذه الأبيات يدحض الفكرة القائلة بأن الإباضية يؤثرون السلوك على التصوف؛ فالتصوف الفلسفي هو ما يؤثره الشيخ كما هو جلي من ربطه في الأبيات بين الفلسفة و التصوف. و نجد الشاعر الكبير أبا مسلم البهلاني لا يخرج عن منهج أستاذه الخليلي؛ فنراه أيضا يمتدح التصوف، و يراه طريق الحق و الاستقامة، كما في هذا البيت[6]:
وإذا نزعتَ إلى الهُدى عنْ غيِره     فالإستقامةُ نَزْعةُ المُتصَوِّفهْ
هذا من ناحية، و من ناحية أخرى نجد أن بعض أقطاب التصوف العماني يوالون أقطاب التصوف الإسلامي بتقديس أرواحم و الدعاء لهم. فهذا المحقق الخليلي –رحمه الله- في شرحه لبعض الأبيات من "خمرية" عمر بن الفارض، نراه يترحّم على الشاعر في مستهل شرحه لأبياته قائلا: "و من قصيدة للشيخ عمر بن الفارض رحمه الله".[7] و نجده في نفس الشرح يستشهد ببيت لإمام أهل الخرقة و التصوف، أبي القاسم الجنيّد، قائلا: "كما قال الجنيّد قدّس الله روحَه و نفعنا به".[8]
يضاف إلى هذا، أن التجربة الصوفية العمانية تتقاطع مع رصيفتها الصوفية الإسلامية في أمور عدة، منها على سبيل المثال اللغة، و المعاني، و الرموز، و أساليب الشطح المعروفة. فالمعجم اللغوي في الشعر العماني يفيض بألفاظ صوفية بحتة مثل الكأس، و الشراب، و الخمرة، و الدّنّ، و السُّكْر، و الطريقة، و الأوتار، والحُب، و النّشْر، و الطيّ، و المُغنّي، إلى غير ذلك من المصطلحات التي يختص بها المعجم الصوفي، كما يتجلى في أبيات أبي مسلم الآتية[9]:
نَصَبْتُ لَهَمْ مِنْ نَيّرِ الذّكْرِ مَعْلَما   وبَوّأْتُهُمْ مِنْ أَنْفَعِ الذُّخْرِ مَغْنَما
وصَيّرْتُ نَفْسي خَادِمًا لِطَريقَةٍ    بِها هامَ أَهْلُ اللهِ في الأرضِ والسَّما
فيا لِرجَالِ الحُبِّ، والكأسُ مُفْعَمٌ    هَلُمّ اشْرَبوا هذا المُغَنّي تَرَنّما
 عَصَرْتُ لكمْ مِنْ خَمْرةِ اللهِ صَفْوَها     فَمُوتوا بِها سُكْرًا، فما السُّكرُ مَأْثَما
 لقد هامَ أهلُ الاستقامةِ قَبْلنا       بها فانْتَشَوا بَيْنَ الخَلِيقةِ هُيّما
 تَراهُمْ سُكارى يَنْشُرُ الجَمْعُ فَهْمَهَمْ    ويَطْويه نُورُ الفَرْقِ في أَبْحُرِ العَمَى
 مَلأْتُ لكُمْ دَنّي شَرَابا مُرَوِّقًا     وحَرّكْتُ أَوتاري فأَنْطَقْتُ أَعْجَما
و لم يكتفوا بالمصطلحات الصوفية في قصائدهم، و إنما استحضروا أيضا الأفكار التي تعج بها دواوين الحلاج، و ابن عربي، و ابن الفارض، مثل منادمة الأنبياء، و حالات الوجد، و الانتشاء، و الجولان، و شربة الأسرار، و الوادي المقدس. يقول أبو مسلم مثلا مجسدا هذه الأفكار الصوفية:
مَنْ كَمَثْلي ؟ وذا الشّرَابُ شَرَابي       والنّبِيّونَ كُلّهُمْ نِدْمَاني
 هَامَ قَبْلي بِه الخَليلُ وموسى       ثم عيسى وصاحبُ القرآنِ
 هذه حالَتي وهذا مُقامي      فاعْرِفُونِي أو أنْكِروا عِرْفانِي!
و يتحدث أبو مسلم في قصيدة أخرى عن الوادي المُقدّس، و ستر الأسماء له في الملكوت الأعلى، و ذوقه لشربة الأسرار، و امحاء اسمه في الذات العليا، إلى غير ذلك مما يرد عند فلاسفة المتصوفة. يقول[10]:
 طَنّبْتُ في الوادي المُقَدّسِ خَيْمَتي     وَرَعَيْتُ بين شُعوبِه أَغْنَامي
قُلْ لِلذّئابِ الكاسِراتِ تَفَسّحي     عَزّ الحِمَى وأعَزُّ مِنْه الحَامِي
 فَلَقَدْ نَزَلْتُ على عَظيمٍ قَادِرٍ     عِزُّ الجَلالِ إِليْهِ والإكْرامِ
 يَقْضِي ولا يُقْضَى عَليْهِ، نَزِيلُه     -لو كادَه الثَّقَلانِ- غَيْرُ مُضَامِ
مِنْ بَعْدِ ما طُرِّدتُّ كُلَّ مُطَرَّدٍ    ونَشَبْتُ بَيْنَ أَظَافِرِ الأَيّامِ
سَتَرَتْنِيَ الأَسْمَاءُ في مَلَكُوتِها     فَحُجِبْتُ عَنْ فَهْمي وعَنْ أَوْهَامي
 وسَقَتْنيَ الأَسْرَارُ شُرْبَةَ ذَوْقِها    فَعَجِزْتُ عَنْ تَعْبيرِه بَكَلامِي
وذَكَرْتُ مَنْ هُوَ في الحَقَيقةِ ذاكري   وَحَقيقَتي لا شَيْءَ وهُوَ مُقَامِي
وحقيقتي أنّي مَحَوتُ حقيقتي    إذْ ثَبْتُها صَنَمٌ مِنَ الأَصْنَامِ
لمّا مَحَوتُ اسْمِي بإسْمِ مُحَقّقِي   مَكّنْتُ فَوْقَ رُؤوسِهِمْ أَقْدَامِي !
ليس هذا فحسب، و إنما نجد المتصوفة العمانيين قد أخذوا بمنهج القوم في شطحاتهم. شطحات لا نجد لها مثيلا إلا عند أبي يزيد البسطامي، و الحلاج، و الشبلي، و السهروردي. فهذا المحقق الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي يقول في نونيته[11]:
وأشربُ في شهر الصيــــام تعمُّداً   نهاراً بأوطاني ولستُ بجــــانِ!
وقد صُمتُ أعيادي ولبيّتُ مُحْرِماً    بحجي، وشهرُ الحج لي رمضاني!
وكعبةُ وجهي حيث وجّهتُ وِجْهتي    ففي كُلِّ حــالٍ حولهــا جَوَلانـي!
و إن عجبت فاعجب من الذين يرفضون فكرة التصوف الفلسفي في الشعر العماني و ينادون بالسلوك مدّعين أن المذهب الإباضي هو المانع الذي حال دون التصوف، متناسين حقيقة أن التصوف لا علاقة له بالمذاهب، فقد وجد المتصوفة في كل المذاهب الإسلامية من شافعية، و مالكية، و حنفية، و حنبلية، و شيعية، و إباضية. و في أبيات الشيخ الخليلي السابقة، أتمنى أن يجدوا لنا مصدرا إباضيا يجيز للمحقق الخليلي أن يشرب بوطنه تعمدا في نهار رمضان، أو يجيز له صيام العيد، أو أداء مناسك الحج في شهر رمضان! أو أن يطوف حول كعبته التي يراها في كل مكان يَمّم شطره إليه!
حتما سيعجز هؤلاء عن إيجاد مصدر فقهي لذلك، ما لم يفهموا أن هذا الشطح الصوفي ينبغي أن لا يُفرّغ من محتواه الفلسفي العميق، و إلا لوَرّطوا شيخَنا المحقق -قدس الله روحه- في مخالفة للشرع هو بريء منها كبراءة الذئب من دم يوسف.
و على منهج الشطح الصوفي، سار أيضا الشاعر العظيم أبو مسلم البهلاني في أكثر من قصيدة لا محيد عن فهمها في سياق الشعر الصوفي الفلسفي الذي نجده عند خواص المتصوفة. يقول مثلا[12]:
هو اللهُ بسمِ اللهِ ما صُمتُ لحظةً    على أنني لم تعْهدِ الفطْرَ فِطْرتي
هو اللهُ بسمِ اللهِ والنورُ باسمهِ   تشعشعَ نورُ اللهِ في بَشَريّتي
تعلّقتُ باللهِ الجليلِ تعلّقا ً   نسختُ به مِنّي ظلالَ الخليقةِ
ولمّا تجلّتْ ليْ نعوتُ جلالهِ   تصاعدتُ من نفسي إلى العَدَميّةِ
تجلّتْ على نِعْتي نعوتُ جلاله ِ   كما أنه منها نُعوتي تجلّتِ!
و يقول في قصيدة أخرى[13]:
وخُذني بنورِ اللهِ عن بَشَريّتي   إلى عالَم التقديسِ من شهواتيا
وأشْعِلْ وجوديْ من بوارقِ فيْضِه    بلامعةٍ تمحو ظلامَ صِفاتيا
 وحقّقْ بلاهوتيّةِ الإسمِ ذِلّتي    لتلبسَ ناسوتيّتي العِزَّ وافيا
 وجرّدْ وُجوديْ حيثُ لا أحديّتي    وُجُودٌ... وجودي آمِراً بكَ ناهيا
و يقول أيضا في قصيدة أخرى[14]:
أقمتُ لِعزِّ وجهكَ ذُلَّ نفسي   فأفْنِ النفسَ فيكَ لكَ البقاءُ
إليك يسوقُها شوقٌ مُلِحٌّ    وأصواتُ الصِّفاتِ لها حُداءُ
أُمزِّقُ باسمكَ الأعلى صفاتي   وأَلبسُ من صِفاتكَ ما أشاءُ!
و الحقيقة أننا لا نستطيع أن نتصور كيف يتشعشع نور الله في بشريّة أبي مسلم، و كيف تجلت له صفات الله حتى تصاعد إلى العدم، و كيف تجلت صفات الذات العليا على صفات الذات الدنيا، و كيف تلبس ناسوتيّة الشاعر لاهوتيّة اسم الخالق، و كيف يلبس أبو مسلم من صفات الخالق ما يشاء؟. أقول ردا على من يختزلون التجربة الصوفية العمانية في مجرد السلوك، أنهم لا يستطيعون بحال من الأحوال فهم هذه الشطحات إلى بردها إلى شطحات أقطاب التصوف الإسلامي و تأويلها كما أوّل الجنيّد و السرّاج و الجيلاني شطحات أبي يزيد البسطامي، مع الفارق طبعا هنا بين أبي مسلم و البسطامي في مستوى الشطح.
إن تجربة التصوف العماني تجربة ثرية بمضامين فلسفية عميقة، و لا يمكن القفز عليها بالنوايا الحسنة و تهميشها على أنها مجرد سلوك قوامه الزهد في الدنيا و تلاوة الأوراد آناء الليل و أطراف النهار. أعتقد بأننا بهذه الطريقة نفقرها، لا نميزها، و نظلمها، لا ننصفها. و قد آن للدراسات العلمية الجادة أن تشرع في سبر أغوار هذه التجربة متسلحة بالمقارنة و التحليل و المقايسة، و متجردة من العواطف البلهاء و نبرة السجال المذهبي الذي يسمن و لا يغني من جوع.


[1] انظر: أحمد بن سعود السيابي، "ابو مسلم البهلاني الرواحي: حياته-شيوخه-تلاميذه-سلوكياته- المدرسة التي ينتمي إليها" قراءات في فكر البهلاني الرواحي (مسقط: المنتدى الأدبي، 1998)، ص 50.
[2] انطر: وليد محمود خالص، الأدب في الخليج العربي: دراسات و نصوص (أبوظبي: المجمع الثقافي، 2004)، ص 468.
[3] انظر: حسن الشرقاوي، معجم ألفاظ الصوفية (القاهرة: مؤسسة مختار، 1987)، ص 171.
[4] انظر: ديوان الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي، جمع و تحقيق عادل بن راشد المطاعني (السيب: مكتبة الضامري، 2003)، ص 114.
[5] المرجع السابق، ص 116.
[6] انظر: ديوان أبي مسلم، تحقيق عبد الرحمن الخزندار (القاهرة: دار المختار، 1986)، ص 271.
[7] انظر: وليد محمود خالص، الأدب في الخليج العربي، ص 433. قام الدكتور وليد بتحقيق هذا النص للشيخ الخليلي، و نشره في كتابه هذا، ثم أعاد نشره في مجلة نزوى، عدد 24.
[8] المرجع السابق، ص 439.
[9] انظر: ديوان أبي مسلم، ص 274.
[10] المرجع السابق، ص 273.
[11] انظر: ديوان الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي، ص  55-56.
[12] انظر: ديوان أبي مسلم، ص 59، 61، و ما بعدها.
[13] المرجع السابق، ص 143ز
[14] المرجع السابق، 261.